تحدثت كثيرًا مع محللين سياسيين مختصين فى الشأن البرلمانى، حيث فرضت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية نفسها على كل الأحاديث، وقد كان الحديث ثريًا ويصب حول النقاط الآتية.
أولًا: أسوأ البرلمانات فى التاريخ هى التى تكون فيها القوى الموالية للحكومة أو الأغلبية تمثل أغلبية مطلقة تمامًا تزيد على %90، وهذا البرلمان يعد ديكورًا كاذبًا للديمقراطية وهو يضر الحكومة والدولة أكثر مما ينفعها ويسىء إليها ولا يؤدى وظيفته التشريعية على نحو جيد، ومن أمثلة هذا البرلمان فى تاريخ مصر برلمان 2010 الذى جهزه أحمد عز وكان سببًا رئيسيًا فى الثورة على الرئيس الأسبق مبارك، لأنه فرغ العملية السياسية والبرلمانية والتشريعية من مضمونها تمامًا.
ثانيًا: أسوأ برلمان كذلك هو ذلك الذى لا تعرف له أغلبية من أقلية، وليست به أحزاب قوية تجمع آراء النواب فى منظومات سياسية واقتصادية وفكرية واحدة وكل نائب «على رأسه»- أى وحده- كما يقول المصريون فى أمثالهم.. وكل مجموعة من النواب عبارة عن جزر مستقلة، وإذا أرادت الحكومة طرح مشروع قانون فعليها أن تقنع كل نائب على حدة، وهذا يستغرق وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا، وهذا يعد ترفًا لا تتحمله البلاد الغنية فضلًا عن الفقيرة والتى تمر بظروف خاصة.
ومن مظاهر هذا البرلمان الذى لا تعرف أقليته من أكثريته هو عدم التلاقى والتجانس السياسى والفكرى والاجتماعى بين نوابه، وتعسر جمع النواب على فكرة واحدة أو حشدهم لمشروع قومى يفيد الوطن، فضلًا عن جمعهم للموافقة على قرار حاسم يتوقف عليه مصير الوطن كله.
ثالثًا: أما أفضل برلمان فهو الذى يتكون من أغلبية توافق الحكومة، وتكون نسبتها ما بين 60 إلى 70%، بحيث لا تعرقل مشروعات الحكومة ولا رغباتها فى الإصلاح، وفى الوقت نفسه لا يكون البرلمان بلا معارضة فيحدث الفساد والفوضى والخلل اعتمادًا على الأغلبية الطاغية %90 فأكثر، فعندما تكون الأغلبية المؤيدة للحكم %60 وتكون المعارضة %40 تتلاقى الأجنحة وتتكاتف وتتلاقح أفكارها وكل منهما يعمل حسابًا للآخر، ويبتعد عن الإثارة ودغدغة العواطف أو تعطيل عمل المجلس، أو تعطيل مشاريع الحكومة الإصلاحية بحجة المعارضة التى لا تهدف للتعطيل والإثارة، وفى نفس الوقت تجعل الحكومة تعمل ألف حساب لمعارضة متزنة تدرس وتنقد بأمانة وتنظر وتستجوب بقوة وصرامة دون تزيد أو خوف، ولعل هذه النسب هى الأفضل والأحسن فى كل البرلمانات.
رابعًا: الإصلاح الاقتصادى فى كل الدول صعب وطويل وشاق ومكلف وبطىء جدًا ومرهق جدًا للناس والميزانية، والإصلاح الاجتماعى كذلك شاق وطويل وصعب وبطىء ومكلف، أما الإصلاح السياسى فهو سريع وبلا كلفة «ببلاش» كما يقولون، وعائده سريع، وهو يقود كل الإصلاحات الأخرى وإليها، ورغم ذلك فإن معظم الدول تخاف من الإصلاح السياسى السلس والسهل، وتخوض بجسارة الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى الطويل والصعب والشاق.
خامسًا: قوة البرلمان لا تكمن فقط فى قوة الأغلبية وصحوة الأقلية وشجاعتها وحرص كل منهما على مصالح الوطن وتقديمهم للشعب والوطن على الولاء للحكومة والأحزاب، ولكنه يكمن أيضًا فى قوة رئيس المجلس ووكيليه، وقدرتهم على تحويل المجلس إلى منظومة عمل متكاتفة متناغمة متحابة ومتجانسة روحيًا مهما كان اختلافها الفكرى والسياسى وتعارض وجهات نظرها واختلاف آرائها وأفكارها، وقدرة المجموعة القيادية للمجلس على إخراج أحسن ما فى هؤلاء النواب، ووضع منظومة عمل جيدة لهم، وتيسير أعمالهم، ووضع المعلومات الطازجة أمامهم، وعدم الإفراط أو التفريط فى الولاء أو العداء لأشخاص الوزراء، وزرع الإنصاف بين النواب، وإبعاد النواب عن كل أبواب الفساد والرشوة والتربح.
كما تكمن قوة البرلمان فى الاختيار الصحيح للجنة العامة للمجلس، واختيار الأصلح لها، وعدم المجاملة فى ذلك، ويشمل ذلك الاختيار الأمثل لرؤساء اللجان الذين يمثلون «رمانة الميزان» فى عمل المجلس وأدائه أداءً حسنا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
القس ناجى رمزى
رائع