تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام يمثل خلطة معقدة من مكونيه، رافده الأول ينتمى لأبى مصعب الزرقاوى، مؤسس تنظيم التوحيد والجهاد، وهو فى التحليل النهائى يعبر عن سلفية ذات طابع شعبوى محملة بروح ذات طابع انتقامى من المخالفين، ومن هنا كانت مواقفه العنيفة الممزوجة بطبيعته الشخصية ورؤيته السلفية الخاصة للآخر، ومن هنا كانت مواقفه العنيفة من الشيعة والتى استخدم فيها تنظيمه كميات مهولة من المتفجرات لتفجير الأسواق والناس والمراقد فضلا، بالطبع، عن قوات الشرطة والجيش والقادة الدينيين، ولا نقول إن التنظيم لم يقم بمواقف قوية لمواجهة الاحتلال الأمريكى فى العراق بل قام بذلك مستندا لما أطلقت عليه «السلفية الشعبوية» المعبأة بروح الانتقام المعبر عن الشهامة والنخوة والرجولة وتأكيد البطولة والزعامة.
هذا الرافد الشعبوى ذات الطابع السلفى امتزج معه منتسبون للطريقة النقشبندية ممن كانوا يقاتلون مع عزة الدورى والذين تسموا بجيش الطريقة النقشبندية، وهؤلاء استندوا إلى مفاهيم صوفية تعتمد السرية فى بناء شبكاتهم، كما تعتمد على استقبال مفاهيم متصلة بروح صوفية منفتحة على إمكان تقبل روايات ذات طابع أسطورى متصلة بالملاحم والمهدى وأحاديث آخر الزمان وغيرها، صحيح أن النقشبندية حافظت على روح الشريعة داخلها، لكن ظلها انفتاح على المفاهيم الصوفية العامة المتصلة بروح ملغزة تقوم على الأسرار والاعتقاد بأن الشيخ هو المركز، وأن الأتباع ليسوا سوى منفذين لما يريده.
يضاف إلى ذلك ضباط البعث الذين تحولوا إلى السلفية الجهادية واقتحموا تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق قبل أن يصبح ممتدا إلى سوريا، وهؤلاء كان أهمهم حاجى بكر الذى قتل فى سوريا عام 2014 وهو كان ضابطا فى المخابرات العراقية وهو قومى عربى، وإليه يرجع وضع استراتيجيات الخوف والرعب والعنف التى تبناها تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق ثم فى الشام من بعد، تعرف حاجى بكر واسمه الحقيقى سمير عبد محمد الخليفاوى على أبى مصعب الزرقاوى واخترق التنظيم وهو من جاء بالخليفة أبى بكر البغدادى بعد أن قتل زعيم التنظيم السابق أبوعمر البغدادى والذى كان يعمل فى الأمن ثم تركه بعد أن اعتنق الفكر السلفى الجهادى، وحاجى بكر استعمل أساليب المخابرات السرية فى تأسيس التنظيم فى سوريا، وهذا الرافد الاستخباراتى القومى العربى الممزوج بالروح السلفية الهشة غير العميقة هو الذى طبع بطابعه التحول الكبير للتنظيم نحو الوحشية والعنف وهو ما أرسى لبنات بنائه المؤسسى والتنظيمى.
هنا الجوهر السلفى الجهادى لتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام هو جوهر هش لأن المتحولين إلى الفكر من قادة التنظيم تحولوا إليه فى سياق أزمة ومن اتجاهات سياسية مختلفة عن الخط السلفى الجهادى، ومن المرجح أن يكون أصحاب الرؤية الاستراتيجية للتنظيم هم قادة البعث وضباطه ورجال البعث من جيش الطريقة النقشبندية وهم لأجل ذلك اعتبروا التنظيم مشروعا سياسيا يمكن استخدام كل الأدوات لإنجاحه بما فى ذلك الدين والسلفية، بيد أن الغريب هو سطوع الأساطير الدينية فى قلب عقل التنظيم السلفى، ومن تلك الأساطير مثلا الحديث عن دابق باعتبارها ساحة المعركة الفاصلة فى آخر الزمان بين الروم وهم هنا الغرب الصليبى والروس معا وبين المسلمين، ومن هنا كانت المجلة التى يصدرها التنظيم تحمل اسم «دابق» وهى تصدر بالعربية والإنجليزية، كما أسسوا وكالة «أعماق» لبث التقارير المصورة والتليفزيونية والأخبار، هنا يوجد طابع مهدوى أسطورى يكون العقل والفعل لأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، هذا الطابع الخيالى الأسطورى المجاوز للعالم العاجز الضعيف الملىء بالعطالة والانحراف والنهب وسطوة الأيديولوجيات التى تحد من حرية الإنسان وقدرته على الفعل هو مصدر مهم وأساسى يوظفه التنظيم من أجل مشروعه السياسى، نحن إذن أمام مشروع سياسى يوظف الدين وأساطير آخر الزمان من أجل تحقيق ذلك المشروع الذى هو سياسى بالأساس.