يقولون إن المسرح أبوالفنون، وذلك من وجهة نظرى يعود لسببين: الأول أنه يعد الأقدم «نظريا» حيث وصلتنا نصوصا مكتملة كتبت منذ آلاف السينين ليس بهدف الترويج للدين أو بسبب الترويج للحاكم وإنما من أجل الفن فحسب، والثانى لأن هذا الفن العملاق يحوى فى داخله جميع أنواع الفنون الأخرى من شعر ونثر ودراما وموسيقى وتشكيل، فالمسرح يقدم وجبة فنية «حية» يتفوق أثرها على ما عاداها من فنون، ولهذا كانت سعادتى لا توصف حينما تسلمت النشرة الشهرية التى يصدرها قطاع الإنتاج الثقافى برئاسة المبدع خالد جلال وفيها أعلن القطاع عن فتح باب الحصول على كارنيه اشتراك فى المسارح المصرية جميعها بسعر رمزى هو 52 جنيها للكبار، و22 جنيها للأطفال أقل من 12 سنة، ويتيح هذا الكارنيه لحامله دخول جميع مسارح الدولة ومشاهدة جميع المسرحيات التى يقدمها البيت الفنى للمسرح، وما عليك إلا إحضار صورة شخصية وصورة بطاقة الرقم القومى «للكبار» أو صورة شهادة الميلاد «للصغار» والذهاب إلى 27 ش عبدالخالق ثروت الدور السابع إدارة التسويق.
مثل هذا القرار «على صغره» هو ما تحتاج إليه مصر فى الفترة المقبلة، فنحن بحاجة ماسة إلى ابتكار آليات جديدة نرغب بها الجمهور فى أن يشتبك مع ثقافته وتاريخه وآدابه وفنونه، فللأسف قديما كان المثقفون منتشرين فى كل الأوساط، أما الآن فقد احتكر المثقفون الثقافة، وصارت القراءة غريبة عن عاداتنا، مشاهدة المسرحيات من النوادر، وحضور الحفلات الموسيقية من المعجزات وحضور الأمسيات الشعرية لا يتم إلا على سبيل المجاملة، ولا سبيل أمامنا سوى اللجوء إلى الأفكار المبدعة لجذب الجمهور بشرط أن يتم «التخديم» عليها وألا نتركها فى مواجهة الجهل والتخلف الراكد فى أعماق البيروقراطية الحكومية.
يحتاج هذا القرار إلى حملة تسويقية ترعاه وتروج له، فلابد أن يزيد عدد منافذ استخراج الكارنيهات، كما يجب أن تقوم الوزارة بحملة دعائية ضخمة للترويج لهذا القرار الذى يحتاج لدعم من مؤسسات القطاع العام والخاص التى من الممكن أن تقوم بعمل اشتراكات جماعية لموظفيها بحيث ينتشر هذا الفن الرائد بين الطبقات الاجتماعية المختلفة فلا نحتاج كل يوم إلى أن نصرخ فى وجوه الناس ليتثقفوا أو أن نتهمهم بالغباء وقلة الوعى فى حين أن «النخبة» بمعناها الواسع هى المسؤولة عن حالة التردى التى وصل إليها المواطن.
المسرح حياة، المسرح حب، المسرح صراع، المسرح ألم، المسرح أمل، المسرح شغف، المسرح حوار، المسرح تفاهم، المسرح مأساة، المسرح ملهاة، المسرح مدرسة، يدخلها الواحد بكامل وعيه، فينتشى ويتعلم ويعيش ويحلم، المسرح بيت، تتلاقى فيه الأفكار كما يلتقى الأخوة، كل فكرة بجوار أختها الفكرة، تشكل ضفيرة من جمال وتفاهم، أنت تقول، وغيرك يقول، تسمع وتتكلم، ترى وتُرى، تنغمس فى سبيكة من المشاعر والأفكار فتصبح شخصا آخر، تشعر فيه بروح النص، وفورة التقمص وانسجام الفنون مع بعضها البعض، فتخرج من ظلام قاعة العرض وقد أنير جزء فى داخلك عميق.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مروة مصطفى
قرار قديم جدا