د. محمد نعمان جلال

مصر والسعودية ودول مجلس التعاون بين الحقائق والشائعات

الثلاثاء، 01 ديسمبر 2015 05:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من المعروف فى علم النفس ظاهرة الشائعات التى تنتشر فى أوقات معينة وليس مجال التحدث عنها الآن، ولكن ما يلاحظ كثرة الشائعات التى تنتشر حول مصر والسعودية ودول مجلس التعاون، وهى إشاعات تنشر على وسائل التواصل الاجتماعى ويتلقفها صحفيون من نفس فصائل مروجى الإشاعات بهدف نشر الاعتقاد بأنها حقائق. وتتعرض العلاقات المصرية السعودية خاصة، ومع دول الخليج بوجه عام، لحجم هائل من تلك الشائعات بعضها يثير الضحك وبعضها يثير الحزن والرثاء لأن مروجيها معروفون من حيث أهدافها ولكن ليسوا معروفين بأنهم على درجة بالغة من السذاجة وعدم الوعى، ولا أقول الغباء فمثلا يرددون أن السعودية تخلت عن السيسى وأنها تبحث عن عسكرى بديل له وقام هذا العسكرى المزعوم بزيارة للسعودية مؤخرًا لهذا الغرض.

هل مثل هذا الكلام يصدق؟ وهل مصر جمهورية الموز؟ السعودية ليس من سياستها التدخل فى شأن الدول الأخرى، وهى أكبر من مثل هذه التصرفات الغبية التى يروجها أصحاب تلك الشائعات وتوجهاتهم معروفة ولكننى أقول لهم موتوا بغيظكم، فلا مصر مهتزة ولا السيسى فقد شعبيته، ولا السعودية تتدخل فى شئون مصر. وهذه من أحلام اليقظة ومن الحالة الجنونية والانهيار النفسى الذى تعانون منه لأسباب معروفة حيث يقال فى مصر إن البعض يفقد نصف عقله إذا تولى منصبا فإذا أقيل منه فقد النصف الآخر، وأنا أعتقد أن مروجى هذه الشائعات ينطبق عليهم هذا القول.

وهذا لا يعنى أنه ليس بين مصر والسعودية بل بين أية دولة وأخرى مهما كانت علاقتها وثيقة بعض الخلافات فى وجهات النظر، فبريطانيا تكرر الحديث عن تفكيرها الخروج من الاتحاد الأوربى وتنتقده، ولكن عندما تعرضت فرنسا للإرهاب بادرت بمساندتها وكذلك أمريكا وهكذا. إنه أجدر بمروجى الشائعات أن يقرأوا ليس كتابا فى العلوم السياسية وعلاقات الدول بل حتى كتاب من رياض الأطفال ليفهموا العلاقات الإنسانية فى أبسط صورها فالأب يختلف مع ابنه والعكس، ولكنهما لن يتحاربا. والدول الصديقة والشقيقة كذلك فهناك قواسم مشتركة أكثر أهمية من الخلافات الهامشية أو الخلافات فى بعض الأولويات ومصر منظورها الأمن القومى العربى الشامل وأمن الخليج جزء لا يتجزأ من هذا المنظور. والسعودية ودول الخليج هى القوة الصاعدة المتماسكة فى الوطن العربى ولها رؤية استراتيجية عميقة ولها أولويات ومن بينها دعم مصر والتنسيق معها ليس من هذا الحاكم أو ذاك ولكنها وصية الملك عبد العزيز لأولاده. ومصر استضافت الملك سعود على أرضها عندما تخلى عن السلطة رغم خلافاتها معه فى عهد عبد الناصر، والملك فيصل وقف إلى جوار مصر ودعمها بعد هزيمة 1967 فى قمة الخرطوم ولم يتردد وكذلك فى حرب 1973، ومصر وقفت إلى جانب الكويت عقب استقلالها ضد تهديدات عبد الكريم قاسم وأرسلت قوات إليها لمساندتها ووقفت مصر مع الكويت بعد غزو صدام حسين من أجل تحريرها واستقلالها كما أنها تقف مع الإمارات ومع البحرين فى قضاياهما وضد الطموحات المعادية من إيران. هذه الدول الثلاث تبادلت مع مصر المساندة والحب من نفس المنظور القومى. هذه مصالح قومية تسمو على الدعايات المغرضة ولن يستمع أحد لدعايتكم أيها المغرضون.

إننى أشيد بمقال لمفكر كويتى منشور بالأهرام فى 29 نوفمبر هو الدكتور محمد الرميحى صاحب الشعار الذى أصدر به كتابا بعنوان "الخليج ليس نفطا فقط". إن علاقات مصر بالسعودية ودول الخليج ليست لمصلحة شخصية بل هى لمصلحة وطنية لكل دولة ومصلحة قومية لجميع الدول وليس غريبا أو جديدا القول بأن مصر والسعودية هما ركيزتا الأمن القومى العربى وأن علاقاتهما وثيقة مهما روج المغرضون من بعض الصحفيين أو الإعلاميين أو السياسيين أو من مروجى الشائعات.

إن الخطر الذى يتهدد دول مجلس التعاون والأمن الخليجى هو يتهدد مصر فى نفس الوقت، والخطر الذى يتهدد مصر من الإرهاب فى دول الجوار مثل ليبيا أو السودان هو يتهدد دول الخليج أيضا، والقيادات فى مصر ودول الخليج هى قيادات واعية ولا تنظر لكل الأقاويل والشائعات. إن جنون السلطة يعمى البعض عن الحقائق ولذلك يدمرون بلادهم وها هو الوضع فى سوريا خير شاهد على ذلك، وها هى الدول التى تحولت إلى الطائفية وعادت إلى عصر التدهور فى الدولة العباسية أو الأندلس وما عانته من الطوائف الذين دمروا بلادهم وأذلوا شعوبهم بعد أن كانت دولهم ملء السمع والبصر أصبحت مهمشة وتعيش الدمار وذلك لأن قياداتها افتقدت البوصلة الحقيقية وليس ذلك ما يحدث فى مصر ولا فى السعودية أو أى من دول الخليج أو الأردن فهذه لديها نخب سياسية تدرك الحقائق وهم أكثر تعليما وأكثر حبا لأوطانهم وحبا لعروبتهم ولن يتخلوا عنها وقالت العرب "إن اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية"، وإذا كانت هناك اختلافات فى بعض الرؤى وكيفية التعامل مع بعض المشاكل وأولوياتها فهذا لا يعنى ما يروجه المغرضون ويتمنونه.

للأسف حتى بعض المثقفين والأساتذة الكبار يعيشون فى أوهام وصراعات مع الذات فها هو أستاذ كبير ووزير سابق تولى مناصب عديدة فى عهد مبارك يدعى القومية يتفرغ لنقد عبد الناصر ويتهمه بالاستبداد، بعد أن مضى على رحيله حوالى خمسين عاما، وينسى أنه لولا عبد الناصر ما كان أتيح له أن يتعلم وأنه فى عهد عبد الناصر لم يتحدث عن استبداده والآن عاد إليه الوعى ليهاجم عبد الناصر، كما عاد الوعى لكاتب وروائى كبير هو توفيق الحكيم بعد وفاة عبد الناصر مباشرة.

إننى أعجب من هؤلاء المثقفين ومن بعض دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية القادمة على حصان طروادة الأمريكى فيتحدثون عن حقوق الإنسان وانتهاكها وينسون أنه بدون الأمن فلا وجود لحقوق الإنسان السياسية أو الاقتصادية. فكيف يمكن أن يطمئن إنسان على حقه فى الحياة والذى هو أهم الحقوق إذا كان غير آمن وغابت الشرطة، ولا عن حقه فى الوطن إذا غابت القوات المسلحة واختل الوطن أو تمزق إربا كما فى بعض الدول المجاورة.

إن شهداء الشرطة والقوات المسلحة يلقون ربهم يوميًا وكذلك شهداء القضاء وها هو المثقف والحقوقى والصحفى يعيش فى نعمة الأمن والأمان بفضل تضحيات هؤلاء ويطالب برفع الأجور وينتقد كل خطوة وكل شىء. لقد أعجبتنى التجربة التونسية عندما تعرضت الشقيقة تونس لحادثة خطيرة وهى بسيطة مقارنة بما يحدث يوميا فى مصر، فثار الشعب بأسره ولم يتردد الرئيس التونسى عن إعلان حالة الطوارئ أو إغلاق بعض المساجد. وأعرب الكثير من المتحدثين التونسيين عن تأييدهم لهذه الإجراءات مؤكدين ضرورة الأمن قبل الحريات، وكرروا نفس القول فى الإذاعة البريطانية وترحموا على شهداء أمن الرئاسة بخلاف كثير من المثقفين المصريين الذين يتحدثون فى الفضائيات وكأن الشرطة أو القوات المسلحة هم خصوم لهم وهذا أيضا لا يعنى عدم معاقبة الشرطى أو الجندى أو الضابط أو غيره إذا أخطأ فلا أحد فوق القانون.

وأبدى دهشتى من مثقفين يدعون الليبرالية واليسارية ويتفرغون للهجوم على المؤسسات والشخصيات ومنهم الأزهر كما يهاجمون السادات رغم إنجازاته فى حرب أكتوبر وفى معاهدة السلام التى أعادت الأراضى المصرية ولم يتبق أحد إلا وهاجموه، وأتذكر قول السيد المسيح عليه السلام "عجبى لمن يرى القذى فى عين أخيه ولا يرى الخشبة فى عينه" وبعض أولئك تولوا المناصب ولهم مصالح شللية ونافقوا بتوزيع الجوائز على الصحفيين الكبار بغض النظر عن إنجازاتهم العلمية.

إن الأزهر الشريف مؤسسة عريقة وله دور تاريخى فى حفظ العلم والنضال من أجل الوطن فى عهد الحملة الفرنسية وفى عهد الاحتلال البريطانى وضد الحكام الظلمة من المماليك وغيرهم، ولكن الأزهر يحتاج للتطوير فالزمن تغير، ولا بد من أن تتغير كثير من المؤسسات فى مصر. وحقا المثل الصينى "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام". ولكن يبدو أن هناك بعض الإعلاميين والمثقفين والوزراء السابقين وبعض السياسيين لا يرون من الدنيا إلا الظلام التام خاصة بعد أن زالت عنهم المناصب فقدوا النصف الباقى من عقولهم وتفرغوا للتشكيك والهجوم على كل شىء.
• باحث فى الدراسات الاستراتيجية الدولية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة