فى رواية «موسم الهجرة للشمال» للطيب صالح، ينظر مصطفى بطل الرواية إلى خاله الفلاح البسيط الذى لا يخلو من سذاجة وحكمة فى آن واحد، باعه أحد النصابين حمارا مغشوشا.. ويقول مصطفى «خالى هذا هو الشعب الذى يتحدثون باسمه فى البرلمانات والحكومة ويضعون اسمه على المحاكم».
«الشعب دا غريب.. جاب لنا الناس دى فى مجلس النواب»، قبلها هو نفسه سألنى «هو ليه الشعب نزل ينتخب أصلا.. ثم: شعب عواجيز. كنت أستمع إلى نائب فاز فى الانتخابات الأخيرة وهو يتحدث بكل ثقة: أشكر الشعب المصرى على اختياراته، وأنه منحنى وزملائى الثقة لنمثله فى مجلس النواب. فيما كان مرشح فى الإعادة مشهور بتوزيع الفلوس يقول: الشعب لا يباع ولا يشترى. نفس المرشح فشل فى الإعادة وردد مع مقربين منه: والله شعب ما يستاهلش. أما النائب الفائز على مقعد أبيه فقد كان يمتدح الشعب الذى رد جميل والده بانتخاب الابن. وأن هذا الشعب أصيل وواع. فيما كان الناشط وزملاؤه، يبذلون جهدهم فى السخرية من «الشعب»، لأنه انتخب أو وافق، بينما الناشط يجلس منتشيا بآرائه ويشرح لنفسه وزملائه أعمق نظريات السياسة، ساخرا من الشعب واختياراته، داعيا نفس الشعب للثورة والخروج.
فى كل مرة ترن كلمة الشعب فى آذاننا، نسمعها من النائب والمرشح الخاسر، والناشط والثورى والرجعى فى كل مرة بطريقة. كل منهم يعنى شعبا آخر غير ما يطلبه الآخرون. كل منهم يريد شعبا يطيعه وينفذ مطالبه، إذا رفض الانتخابات يجب على الشعب المقاطعة، وإذا شارك يريد شعبا يختار من يرشحه، وإذا اشترى أصواتا يريد شعبا يقدر أمواله ويعترف بالرشوة.
كل مسؤول سواء كان حقيقيا أو مزيفا يقدم نفسه ويبرر سياساته بأنها من أجل الشغب وإذا تعثر القرار وفشل فالشعب هو السبب. بينما كل منهم يقصد معنى مختلفا، لا أحد يفكر فى التعرف على كل هذه الجموع التى تضم التناقضات وتختلف المصالح والاختيارات. وفى حالة مثل مصر من الصعب الحديث عن جمع وكتلة واحدة موحدة، وإنما مواطنون لكل منهم توجهه واختياره. ومع هذا هناك الكثير من المشتركات توحدهم ومواقفهم.
هناك دائما من يريدون الحديث «عن الشعب» ينوبون عنه فى كل موقف، يتحدثون عنه ويعربون عن الغضب بدلا منه، ويشتمون بعضهم، وينهبون وينصبون باسمه، يسخرون منه ويدعونه للثورة معهم، ولما يعترض يسخرون مرة أخرى. كل منهم يقصد شعبا آخر. ولا أحد منهم يعتبر نفسه من الشعب. مع أنهم يراهنون عليه ويمتدحونه، ويسبونه لأنهم لا يفكرون فى التعرف عليه باعتبارهم «شعب».