لماذا كل هذا التهاون يا وزير الداخلية؟
يحلو للكثيرين أن يطنطنوا دائما بكلمة «هيبة الدولة» لكنى فى كثير من الأحيان أسأل نفسى: ما الذى يعنيه هؤلاء بكلمة «هيبة» وهل حقا يدركون معنى «الدولة»؟
حينما تريد شراء سيارة، عليك أولا دفع ثمنها، ثم دفع الجمارك والضرائب المستحقة عليها، ثم السعى لترخيصها وفقا لشروط الترخيص المعمول بها فى مصر وعليك أن تدفع رسوم هذا الترخيص، وأن تحافظ على سيارتك مرخصة طوال مدة امتلاكها، وعليك أن تقف فى كل اللجان، وأن تستعد دوما لفحص سيارتك وربط حزامك والمحافظة على وجود طفاية الحريق والمثلث الفسفورى، وحقيبة الإسعافات الأولية، وعليك أيضا أن تستخرج رخصة قيادة بعد خوضك لاختبارات المرور، وأن تحافظ على قواعد المرور أينما حللت، وإذا أخطأت فى أى بند من البنود السابقة فأنت محاصر بالغرامة أو السجن أو كلاهما، فقل لى: بم يلتزم التوك توك أوسائقه؟
هذه ظاهرة مريعة، ظاهرة تهدم معنى الدولة ونظمها، ظاهرة تؤكد أن الشعب المصرى ليس سواسية، فمن يلتزم بالقانون يقع تحت طائلة القانون، ومن يكفر بالقانون ينم ويترعرع خارج القانون دون محاسبة، والعجيب فى الأمر أنه فى حالتنا هذه لا يملك أصحاب التكاتك نفوذا أو سطوة أو جاها ليدافعوا به عن أنفسهم، حسبهم الفوضى هى واسطتهم وجاههم ومالهم، وهم جنودها ورجالهم، وللأسف فإن موقف وزارة الداخلية فى هذا الشأن يكاد يكون داعما، فلا يحرك أحد شيئا فى مياه الفوضى الراكدة، وكأنها تريد أن تبعث برسالة إلى الملتزمين المؤدبين المطيعين للقانون: هذه ليست بلدكم ولا مكان لكم بيننا.
فى السنة الأولى أثناء دراستى للآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة سألنا أحد الأساتذة: هل تعلمون لماذا نقول إن مصر صاحبة حضارة 7 آلاف سنة؟ فتخبطنا جميعا فى الإجابة: بعضنا قال لأن الأهرام بنيت منذ ذلك الحين، فكانت إجابة خاطئة لأنها بنيت منذ حوالى أربعة آلاف وخمسمائة سنة فحسب، وقال البعض الآخر إن هذا يعود إلى تاريخ توحيد مصر تحت راية الملك «مينا أو نارمر» لكن هذا أيضا كان خطأ لأن مينا وحد الوجه البحرى مع الوجه القبلى قبل حوالى خمسة آلاف سنة فحسب، وحينما غرقنا فى الأجوبة الخاطئة قال لنا المحاضر إن سبب هذا الادعاء أن هناك اكتشافات أثرية تعود إلى سبعة آلاف سنة تدل على أن مصر كانت دولة «منظمة» واستدل العلماء على هذا بأن الشوارع كانت مخططة تخطيطا سليما، وأنها لم تكن عشوائية، وأنها كانت جميعها تسير فى خطوط مستقيمة تصب فى ساحة واحدة- ميدان- بها بيت الحاكم وهو دليل على أن هناك «عقل» وراء تخطيط هذه الدولة، وأن هناك «حكومة» كانت قادرة على التخطيط والتنفيذ، فكيف بعد كل هذا الزمن ننحدر هذا الانحدار؟ ولماذا لا يتهاون وزير الداخلية اللواء مجدى عبد الغفار فى أى شىء سوى إعادة الانضباط إلى الشارع المصرى؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة