الإدارة السليمة للموارد تنجينا من «الغرق»
فى مصر سقوط الأمطار ليس خيرا على الإطلاق وكثير يرونه من الأخبار السيئة لهيئة الأرصاد..!
فالشوارع تتحول إلى بركة من المياه وتصاب بالشلل المرورى، وملايين الأفدنة تغرق، وعشرات البشر تزهق أرواحهم، وترتبك الدولة بأجهزتها وتقف عاجزة أمام التعامل مع سقوط المطر، وهذا ما يحدث كل عام وآخرها بالأمس، وفى شهر نوفمبر الأسود الماضى، فقد حل المطر بالكوارث فى الإسكندرية والبحيرة وباقى مدن وقرى الجمهورية.
فى كل الدول، وخاصة فى الدول العربية والإسلامية، التى يسقط فيها المطر يتهلل الناس ويفرحون بموسم الأمطار ويطلقون عليه «أمطار الخير» ويبدأون قبلها بصلاة الاستسقاء حتى ينعم الله عليهم بالمطر، فيما يتمنى كثير من المصريين ألا ينعم الله عليهم بهذه النعمة، لأن حياتهم سوف تتوقف وترتبك وتنقطع بهم وسائل الاتصال بالعالم الخارجى.. فالمطر فى مصر- للأسف- هو «نقمة» وليس «خير ونعمة» من السماء للارتواء والزراعة للإنسان والحيوان.
الأمر اللافت أنه فى ظل أزمة الموارد المائية التى نعانى منها حاليا والاحتياجات المائية خلال السنوات المقبلة، لا نجد أيه خطط أو استراتيجيات للاستفادة من مصادر المياه الأخرى إلى جانب نهر النيل. فمصر تعتمد بنسبة %97 من مواردها المائية على نهر النيل، وتعانى من ضغوط مائية لتوفير احتياجاتها فى ظل محدودية مواردها المائية، وانخفاض نصيب المواطن المصرى من المياه إلى أقل من 650 مترا مكعبا، بينما يبلغ المتوسط العالمى 1000 متر، فالنيل هو المصدر الرئيسى للمياه فى مصر حيث تبلغ حصة مصر من مياهه 55.5 مليار متر مكعب تمثل %79.3 من الموارد المائية وتغطى %95 من الاحتياجات المائية الراهنة. وبالتالى نحن فى أشد الحاجة لقطرة مياه والاستفادة منها، فحجم الأمطار المقدرة سنويا فى مصر 1.6 مليار مترمكعب، وارتفعت هذا العام بنسبة كبيرة، حتى لو كانت كميات قليلة فيجب التفكير بالاستفادة منها، مثلما فعلت دول عربية وإسلامية. وخلال زيارة للعاصمة الإيرانية طهران منذ عامين لفت انتباهى شبكة تصريف مياه الأمطار على جوانب شوارع المدينة ونظافتها حتى تصبح الأمطار وذوبان الجليد مصدرا إضافيا مهما للمياه وإعادة استخدامها مرة أخرى فى الرى والزراعة ومياه الشرب. حتى فى دبى، المدينة الخليجية التى يغلب عليها المناخ الصحراوى، لديها شبكة لتصريف الأمطار جاهزة طوال الوقت لمواجهة أى موجة محتملة من سقوط الأمطار.
ورغم أن تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الصادرة منذ عامين، تشير إلى أن كمية الأمطار الساقطة على مصر خاصة فى السواحل الشمالية تقارب حصتها من مياه النيل، حيث تبلغ 51 مليار متر مكعب فى السنة، ولكنها للأسف تهدر جميعها بسبب هطولها على المناطق الصحراوية من غرب الإسكندرية وحتى مطروح والسلوم، وفى الساحل الشمالى الشرقى من القنطرة غرب وحتى العريش ورفح، ومصر لا تستفيد من هذا الكم الهائل من الأمطار إلا بنحو 1.3 مليار متر مكعب فقط من الأمطار، التى تهطل فوق أراضى الدلتا ويستفاد منها فى الزراعة مرة واحدة فقط فى الرى- كما يذكر خبير المياه الدكتور نادر نورالدين.
بالطبع هناك فشل أيضا فى إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى، وهى من المصادر المائية التى لا يستهان بها، حيث يبلغ المتوسط السنوى لمياه الصرف الزراعى نحو 12 مليار متر مكعب سنويا يعاد استخدام حوالى 5.7 مليار متر مكعب حاليا فقط.. ربما نعانى حاليا من أزمة مياه لكن الإدارة السليمة للموارد المائية المتاحة قد تنجينا من «الغرق».