سؤال يثار فى ذهن أى متابع لما يجرى فى مصر المحروسة: ما هو الهدف من الهجوم الذى يحدث من آن لآخر على الأزهر الشريف ومشيخة جامع الأزهر؟ هذا الهجوم يجرى رغم أن السواد الأعظم فى مصر المحروسة يكن كل التبجيل والحب لهذه المؤسسة العريقة التى تمثل رمزا مهما للإسلام فى المعمورة كلها، لأنها قامت بدور وطنى ودينى مهم وخطير فى تاريخ مصر المحروسة وفى تاريخ الأمة الإسلامية جمعاء، ففى كل ما يجرى فى المنطقة العربية من تغيرات وصراعات مذهبية وطموحات إقليمية، حيث تنهمر الأموال الغربيه والبترولية يقف الأزهر شامخا يدافع عن وسطيه الإسلام وعدم دعوته للعنف والقتل وسفك الدماء، فهدم الأزهر والتشكيك فى موقفه الدينى يدفع المسلمين إلى مركز إفتاء آخر أو يدفع بهم إلى جامعة أخرى بحثا عن دليل مرشد أو إلى عودة مفتى المقاهى والزوايا، والأخطر عودة التيار الوهابى بقوة بعد السقوط المأمول للأزهر الشريف.
ثم هناك الإصرار والترويج وتأكيد أن الإسلام دين عنف ويستشهدون بالحديث الصحيح «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله» ويصرون على أن القتال لابد أن يكون بالسيف لكن من بين المعانى لكلمة القتال هو القتال بالفكر وبالحوار، وهذا قتال راق وإنسانى فى نفس الوقت. وهذا هو المقصود بكلمة القتال، أى أن المسلم عليه أن يجادل الغير بالفكر والآراء المنطقية وتقديم النموذج النبوى الشريف العظيم.. وكلمة السيف التى جاءت فى بعض الأحاديث المقصود بها هو سيف الحق والمنطق.
والحق فى واقع الأمر أقوى من السيف، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أدبنى ربى فأحسن تأديبى» أى أنه كامل السلوك، فهو الإنسان الكامل الذى نصحنا الله به «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة». والسؤال الآن: هل يصدر عن هذا الكمال شىء ناقص يسبب الضرر والألم إلى الإنسان مهما كان دينه وعقيدته، فرسول الله، صلى عليه وسلم، كان رحمانيا فى كل سلوكه فى السلم والحرب، وشملت رحمته، صلى الله عليه وسلم، النبات والحيوان، فعلى سبيل المثال ناقة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، المسماة «القصواء» عندما انتقل سيد الخلق، عليه الصلاة والسلام، إلى جوار ربه سبحانه وتعالى أخذت تنتف شعرها وتعض جسمها وتبكى حتى ماتت، وهذا لحسن رعاية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لها.
ولقد اشتكى جمل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من سوء معاملة صاحبه له، وفعلت حمأمة نفس الشىء لسرقة فراخها من عشها. أما رحمته فى الحروب فتكتب فيها كتب وتعليماته سبقت العالم كله حتى الآن فى رقيها ورحمتها بالإنسان حتى الأعداء.
إن الذى يصف الإسلام بأنه دين العنف فهو جاهل أو عدو، وهذا لأن هذا الدين هو الدين الذى اختاره الله سبحانه وتعالى للبشرية والله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم المحب لعباده أجمعين، لقد كان نبينا، صلى الله عليه وسلم، ينصح أصحابه إذا علَّموا وأرشدوا الناس بأن يتجنبوا العنف وأن يرفقوا بعباد الله تبارك وتعالى، ويبين ذلك أنه جاء أعرابى فدخل مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبال فى ناحية من المسجد، فقام إليه الناس لينهروه، فقال النبى، صلى الله عليه وسلم: «دعُوهُ لا تُزْرِمُوهُ» أى: لا تقطعوا بوله، فلما فرغ الرجل من بوله، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجْلٍ من ماء أو بذنوب من ماء، وأمر بالماء فأريق عليه، وانتهى الأمر عند هذا، فلو أنهم عنفوه فلربما هجرهم ولربما ترك الخير الذى كان مقبلًا عليه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يكُونُ فِى شىْءٍ إِلاَّ زانهُ ولا يُنْزَعُ مِنْ شىْءٍ إِلاَّ شانهُ».