لماذا فشلت اجتماعات الخرطوم فى حل أزمة السد؟
كما كان متوقعا انتهت اجتماعات الخرطوم بحضور وزراء الخارجية والرى فى مصر والسودان وإثيوبيا دون جديد، سوى الاتفاق على جلسة أخرى يومى 27 و28 من ديسمبر الجارى بالخرطوم، ربما تحمل مخرجا جديدا لأزمة قاربت العامين دون جديد.
ما حدث كان متوقعا لأن كل المؤشرات كانت تقول ذلك، فالأجواء التى سبقت الاجتماعات كانت متوترة بل معقدة أيضا، ولم يقتصر الأمر على التعنت الإثيوبى فى المفاوضات، فقد شهدنا توترا ملحوظا فى العلاقات المصرية السودانية على خلفية موضوع احتجاز عدد من السودانيين بالقاهرة بتهمة الاتجار فى العملة، وهو ما أدى إلى تصعيد دبلوماسى سودانى أخذ بعدا جديدا حينما خرج الرئيس السودانى عمر البشير فى فضائية العربية ليقول إن حلايب وشلاتين سودانية، وإنه تقدم بشكوى ضد مصر إلى مجلس الأمن لإجرائها انتخابات مجلس النواب فى المدينتين.
ورغم الهدوء الدبلوماسى بين القاهرة والخرطوم، فإن التوتر كان باديا منذ الوهلة الأولى، وكان متوقعا أن ينعكس ذلك على اجتماعات الخرطوم، ليواجه المفاوض المصرى موقفا صعبا ربما يعيده إلى أزمة سد النهضة فى بدايتها حينما كانت المفاوضات أو الأحاديث بين الدول الثلاث يكتنفها الشك وعدم الثقة.
هل ستحل الجولة المقبلة الأزمة؟
ليس هناك أمل فى الوصول لحل للأمور العالقة فى قضية سد النهضة، لأن الخلافات أكبر من حلها حتى على مستوى الاجتماع السداسى، وربما الأمر يحتاج لقمة عاجلة لقادة الدول الثلاث لأنهم الأقدر على الخروج من المأزق الذى وصلت إليه المفاوضات الفنية، كما أن قادة الدول الثلاث الذين أصدروا اتفاق إعلان المبادئ الذى وقع فى الخرطوم قبل عدة أشهر سيكون بمقدورهم تحريك المياه الراكدة.
القمة الثلاثية هى الحل الآن فى ظل الأجواء الملبدة بالغيوم التى يكتنفها عدم الوضوح فى التوصل لحلول، فالخلاف مازال قائما بين المكتبين الفنيين الهولندى والفرنسى، ولم يتم التوصل إلى شىء فى مسألة ملء بحيرة السد بشكل لا يؤثر على حصة مصر من المياه.. كل ذلك يجرى وإثيوبيا مستمرة فى البناء، وربما تكون قد وصلت إلى بناء ما يقرب من %40 من جسم السد، وبالتالى فإنها اقتربت من سياسة الأمر الواقع، فحينما يكتمل بناء السد فلا حاجة لمفاوضات أو أحاديث.
لذلك فإن الوقت يداهمنا جميعا، وفى ظل رفض إثيوبيا لفكرة وقف البناء فى السد إلى حين انتهاء المفاوضات فإن المماطلة ستستمر حتى تصل إلى نقطة الصفر، وربما نقطة المواجهة الحتمية التى نأمل ألا نصل إليها مع دولة تربطنا بها علاقات تاريخية وأخوية، كما أن هناك الكثير من الروابط التى تربط الشعبين المصرى والإثيوبى ستتضرر كثيرا حال حدوث المواجهة الحتمية.
ما الطرق البديلة المتاحة أمام مصر؟
بالطبع نحن أمام موقف متعنت يستهلك الوقت لصالح إثيوبيا، وهو ما يتطلب من مصر أن تطرح خيارات أخرى للتعامل مع الوضع، من بينها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، خاصة أن مسألة التحكيم الدولى مستبعدة لكونها تشترط موافقة الجانبين مصر وإثيوبيا، وهو ما لم توافق عليه إثيوبيا.
لكن أيضا مسألة اللجوء إلى مجلس الأمن يحتاج لتفكير عميق، لأن صدور قرار من المجلس فى هذه الحالة يتطلب جهدا دبلوماسيا قويا، لأننا نعلم أن التعامل فى مجلس الأمن يخضع لمواءمات سياسية من جانب الدول الأعضاء، فلا يعتقد أحد أن عضويتنا فى المجلس التى ستبدأ فى أول يناير المقبل ستمنحنا ميزة نستطيع من خلالها ملاحقة إثيوبيا بقرارات دولية، لأننا إذا فكرنا بهذا الأسلوب نكون مخطئين.
المحاصرة القانونية الدولية لإثيوبيا هى إحدى الخيارات المهمة المطروحة أمامنا، فضلا عن مواصلة الحديث مع الدول المانحة الكبرى وحثها على عدم الاستجابة لطلبات إثيوبيا الخاصة بقروض زراعية أو متعلقة بالمياه مادامت أنها تنتهك حقوق الآخرين المائية، فضلاً عن دراسة الآلية التى يمكن من خلالها طرح الأمر على الأمم المتحدة ويكون فى حوزتنا الدعم الذى نحتاجه.