لابد أن نقف كثيرا أمام القرار الجمهورى رقم 541 لسنة 2015 بتعيين كل من المستشار هشام بدوى، ومنى صلاح نائبين لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، بالرصد والتحليل العميق، وباهتمام بالغ.
بداية، تعالوا نقر أن القرار يُعد ضربة معلم، إذا وضعنا فى الاعتبار أن تعيين نائبين لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، سابقة فريدة من نوعها لم يشهدها طوال 70 عاما كاملة.
وبلغة الأرقام فإن الجهاز المركزى للمحاسبات لم يشهد تعيينات نواب لرئيس الجهاز إلا مرتين تقريبا، إن لم تخنى الذاكرة، الأولى كانت فى عهد رئيس الجهاز عادل حسن، حيث تم تعيين فؤاد عبدالوهاب نائبا له، واستمر فى منصبه لمدة عام فقط، والثانية كانت فى عهد المستشار جودت الملط، حيث تم تعيين الدكتور محمد عبدالمجيد محمود نائبا له لمدة عامين.
تأسيسا على ذلك، يتبين أن قرار تعيين نائبين لرئيس الجهاز الحالى المستشار هشام جنينة، يعد سابقة من نوعها، ويحمل أهدافا استراتيجية، تتعلق بمجمل قرارات الجهاز فى عهد رئيسه الحالى، وأدائه، فالرجل تقلد منصبه بموجب قرار إخوانى صرف، وبدأ تدشين موقعه بإصدار تصريحات نارية، وعقب ثورة 30 يونيو حاول الرجل أن يغلف موقعه بغطاء سياسى، وصعد من تصريحاته الهجومية، إيمانا منه أن الهجوم خير وسيلة للدفاع.
وبالتدقيق فى السيرة الذاتية لنائبى رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات تكتشف معلومات مهمة، ونبدأ بالمستشار هشام بدوى الذى بدأ مسيرته فى نيابة أمن الدولة، وكان أبرز المحققين فى قضايا الإرهاب فى والتسعينيات، واكتسب مهارة التعامل مع جماعات العنف المسلح من الإخوان للجهاد للجماعة والإسلامية، واستمر حتى تقلد منصب المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا.
أما منى توحيد، فإنها ابنة الجهاز المركزى للمحاسبات، وعاصرت رؤساء الجهاز الأقوياء من عينة شوقى خاطر، وجودت الملط، وتقلدت مناصب مهمة للغاية منها رئيس قطاع المكتب الفنى لمكتب رئيس الجهاز بدرجة وكيل وزارة، ومستشار رئيس الجهاز بدرجة وكيل أول وزارة.
لكن الأمر المهم من قرار تعيين نائبين لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات يتمثل فى إعادة تشكيل هيئة مكتب الجهاز الذى يعد مطبخ اتخاذ القرارات المهمة، ليصبح مكونا من هشام جنينة ونائبيه وأقدم وكلاء الجهاز، ومن ثم يمكن لك أن تقولها بصوت جهورى، تم القضاء على سيطرة هشام جنينة على المكتب الفنى، والتأثير بشكل مباشر فى اتخاذ وتوجيه قراراته.
بجانب أيضا أن النائبين سيحملان عددا من الملفات المهمة والحساسة، وسينتزعان صلاحيات كبيرة، وهو ما يعد تقليما حقيقا لأظافر هشام جنينة الذى لم يتوقع القرار، وكان مفاجأة كبيرة له، أثارت بداخله حالة من القلق، ولم يملك حياله إلا البحث عن رقم هاتف المستشار هشام بدوى ليلة أمس الأول للاتصال به وتقديم التهنئة له.
اللافت أيضا أن هشام جنينة ستنتهى فترة رئاسته الأولى للجهاز فى السادس من سبتمبر 2016، أى يتبقى له 9 أشهر فقط، وأن هناك معلومات مؤكدة مفادها أن رئيس الجهاز الحالى بدأ وضع سيناريو اتخاذ إجراءات وقرارات تصعيدية لإحراج النظام والحكومة، بتقديم تقارير ضد جهات سيادية عن مخالفات غير مكتملة الأدلة وبعيدة عن الواقع، قبل مغادرة منصبه، خاصة أن يتملكه يقينا بأنه لن يتم التجديد له لفترة ثانية.
أيضا ومن خلال المعلومات يمكن لنا أن نؤكد أن المستشار هشام بدوى رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات المقبل خلفا للمستشار هشام جنينة، فهو يبلغ من العمر 58 عاما، فى حين أن منى توحيد لا يتبقى لها سوى ثمانية أشهر على انتهاء خدمتها من الجهاز، وستحال على المعاش فى توقيت انتهاء ولاية هشام جنينة.
فى النهاية لا تستطيع القول، إلا أن القرار ضربة معلم، ومدروس بعناية شديدة، ومغلف بذكاء مدهش، لتقويض صلاحيات رئيس الجهاز الحالى المقبل على حصان جماعة الإخوان، ويعد صدمة عنيفة للجماعة الإرهابية.