كان الله فى عون الفلسطينيين، فإسرائيل تمارس عليهم شتى أنواع الاضطهاد والقهر، فبجانب العنف الدموى الذى يرتكبه جيش الاحتلال يقوم أيضا بنوع من «الحصار الثقافى» على هذا الشعب الأعزل الذى لا يملك غير ثقافته وهويته.
وفى سبيل القضاء على هذه الهوية والقضاء على أى رمز فلسطينى فى القدس الشرقية تمهيدًا لتهويدها، قام المحتلون بخطوة خطرة يسعون من خلالها لقتل المتنفس الأهم فى حياة الفلسطينين، وهذه الخطوة تتمثل فى إعلان الحرب على المسرح الوطنى الفلسطينى فى القدس والمعروف بمسرح الحكواتى بمحاولات إغلاقه.
ومسرح الحكواتى لمن لا يعرفه هو المسرح الوطنى الفلسطينى الذى يعد من أهم مراكز الثقافة فى القدس، ومسرحًا لكل النشاطات الثقافية والسياسية فى المدينة، وكان له نصيبه فى جميع المراحل السياسية والاجتماعية التى مرت بها القدس.
والحرب على «مسرح الحكواتى» بدأت من الديون التى تراكمت عليه، هذه الديون قيمتها 150 ألف دولار على مدى الأعوام الخمسة الماضية، حيث يدين المسرح بهذه الأموال لمجلس البلدية وصندوق التأمين الوطنى وشركة كهرباء إسرائيلية محلية.
وليعلم الجميع أنه بضياع هذا الصرح الفلسطينى فسوف تتغير أشياء كثيرة فى نفوس الفلسطينيين وسوف تضعف روحهم خاصة أن إسرائيل تترصد بكل الأشكال لفن المسرح وترفض تمويل أو عرض أى مسرحية تحمل نقدًا لإسرائيل.
وأصبح هذا الأمر دائم التكرار، فمنذ شهور قليلة أقدم وزير التعليم رئيس حزب «البيت اليهودى» نفتالى بينيت بإخراج مسرحية «الزمن الموازى» من سلة الفعاليات الفنية التى تشارك وزارته فى دعمها.
ومازالت بلدية حيفا توقف دعم مسرح «الميدان» فى المدينة لعرضه مسرحية «الزمن الموازى» التى ألفها الأسير وليد دقة المستوحاة من تجربته فى أسر مستمر منذ 30 عاما.
و«وليد دقة» من مدينة باقة الغربية داخل أراضى 48، حكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بقتل جندى إسرائيلى عام 1984، وفى مسرحيته «الزمن الموازى» يتحدث عن أسير يحلم بالزواج وإنجاب الأطفال والتعلم بالجامعة.
وعلى غرار بلدية حيفا كررت وزيرة الثقافة ميرى ريجف موقفها بتجميد دعم وزارتها لكل فعالية فنية تعادى إسرائيل، وحملت على مسرح الميدان فى حيفا وعلى فنان عربى رفض المشاركة فى عرض مسرحيته داخل مستوطنة. لذا علينا أن ننتبه إلى أن الفن والإبداع أحد أهم الأسلحة اللازمة فى عملية صناعة الإنسان عن طريق صناعة وعيه، وفى فلسطين مهم بصفة خاصة فى الجهاد ضد الاحتلال ومقاومته، وذلك لكونه يحمل العديد من الرسائل التى تكشف المحتل، وفى الوقت نفسه تحمى الهوية، والمسرح من أكثر الفنون التى تحقق تلك الرسالة، لكن المسرح فى فلسطين يعانى سواء لعرب 48 وفى الضفة وغزة، وتتوزع هذه المشكلات بين المنع وبين الأزمات المالية التى تهدد بغلق هذه المسارح.