بين قمة المناخ وثقب الجاكت
على صفحته على الـ «فيس بوك» كتب صديقى المهندس جمال عبدالناصر صارخًا كعادته، يلعن ما يسميه البعض بالتقدم العلمى والطبى، قال إن ما نسميه تقدمًا طبيًا فشل حتى الآن فى علاج فيروس الأنفلونزا، فمازال هذا الفيروس يستبد بالإنسان إذا ما أمسكه، فيكسر عظامه، ويرفع درجة حرارته، ويصيبه بالتهاب الحلق والصدر، ويقلب حياته رأسها على عقب، ومازال هذا التقدم الطبى يعجز عن علاج السرطان، والفشل الكلوى، والالتهاب الكبدى الوبائى، ومازال عاجزًا عن علاج الأمراض الحديثة كالإيدز والإيبولا وغيرهما، وذات العجز يظهر فى الهندسة والفيزياء والكيمياء، وغير ذلك من علوم.. عبدالناصر قال هذا الكلام متأثرًا بإصابته بالبرد، وإصابته بحب الوطن، وإصابته بحمل هموم البشرية المتراكمة، فطبيعته الرومانسية- أدامها الله عليه وأعانه عليها- جعلته يشعر بالكثير من الآلام المبرحة إذا ما سمع خبرًا أو علم معلومة فى حين أن ذات الأشياء نادرًا ما يشعر بها سواه، ناهيك عن الشعور بآلامها.
المصادفة وحدها جعلتنى أكتشف مشكلة أكبر من مشكلات عبدالناصر بينما أطالع صرخاته المتوالية، فقد كنت أضع يدى فى جيبى لأستخرج قلمى لأدون شيئًا ما، وإذا بالصدمة تتملكنى حال اكتشافى أن جيب الجاكت الداخلى قد تمزق، وغطس القلم فى غياهب الجاكت، وعلىّ الآن أن أستسلم لأحد الحلين، إما أن أتغاضى عن تدوين ما انتويت تدوينه، أو أقلع الجاكت مستلهمًا مهارات صياد عتيد لأستخرج القلم من مكانه البعيد.. شغلتنى هذه الأزمة عن الانفعال بكلمات عبدالناصر، وأنا فى مطار دبى، وأريد أن أستبدل العملات المصرية التى حملتها معى بعملات أمريكية أو صينية وأنا فى طريقى إلى بكين، وأريد أيضًا أن أشرب كوب قهوة، وأن أدخن سيجارة، وأن أدخل الحمام، وأن أرسل رسالة عبر الإيميل، وأن أتمكن من الذهاب إلى طابور الرحلة 360 المتوجهة إلى بكين، سيل من الرغبات وقف أمامه تمزق جيب الجاكت الخبيث، وغرق القلم فى المجهول، وفى وسط الأزمة ضحكت من نفسى ومن كلمات صديقى الحالم، قائلًا: هذه هى الأزمات وإلا فلا.
فشلت البشرية فى حل أزمة تمزق الجيوب الداخلية للجواكت والمعاطف، فشل جعل الواحد لا يشعر بأمان مادام يرتدى مثل هذه الأشياء، من الممكن أن يغرق منك قلم أنت فى أمسّ الحاجة إليه، أو يغرق منك مالًا لا تملك إلاه، أو يغرق جواز سفر وأنت بين حدود دولية ووجوه متجهمة.. أزمات ما أن يكتشفها الواحد حتى يقع قلبه فى قدميه، وكأنه أصيب فى أعز ما يملك، نعم هى أزمة تافهة، لكنها تؤثر علينا وعلى مزاجنا، وربما على مستقبلنا، كما أنها على تفاهتها أثبتت أن الإنسان نادرًا ما يحل مشكلة بشكل حقيقى، وإنما يدور حول حل المشكلات، ويتوهم أنه قادر على كل شىء، فى حين أنه مقدرته الوحيدة تكمن فى تعقيد كل شىء، وليس أدل على هذا من فشل قمة المناخ التى حضرها قادة العالم أجمع فى باريس منذ أيام، معلنين فشلهم التام فى علاج ثقب الأوزون، تمامًا كما أعلن أكبر مصممى الأزياء عن عجزهم التام فى علاج ثقب الجاكت.