الحقيقة هى وضع كل ظاهرة مادية كانت أو معنوية موضعها من النظام الكونى. وإذا كان العقل البشرى هو الوسيلة التى تضع بها الظواهر موضعها فلا بد له من طريقة يتبين بها أنه أصاب فى تحديد هذا الموضع.
بعبارة أكثر وضوحا، لابد للعقل من أن يهتدى إلى برهان على الحقيقة. وأنواع البراهين كثيرة ومختلفة، بل إن لكل مذهب من مذاهب الفكر طريقة إلى إثبات الصواب والبعد عن الخطأ وتختلف عن طريقة غيره من المذاهب الأخرى.
أما البرهان فى مذهب "الخرافة العلمية" مثلاً، فقد أصبح ثابتاً واضحاً ومعروفاً، حيث أنه يقوم فى الأساس على: الاطراد" وعلى أن العلاقات بين موضوعات البحث العلمى يمكن إخضاعها لنظام رياضى ثابت المعالم مهما يمكن تعقيده. ولدينا من العلوم ما يثبت أن نظام الكون والعقل كلا منهما نظام رياضى ثابت وواضح المعالم. لهذا أصبح البرهان فى هذا المذهب، أن كل ما يطابق المنطق هو البرهان الذى يطمئن إليه العقل البشرى اطمئنانا تاما. وتظل أكثر النظريات العملية فروضاً حتى يستطيع حسابها رياضيا، عندها فقط يتبين صدقها وتثبت بذلك الحقيقة.
إذا كان ما سبق ذكره هو آخر تطورات البراهين فى أنواع التفكير على إثبات الحقائق الكونية والعلمية، فلم يكن ليتضح ذلك فى أول عهود التفكير العلمى الذى وصف بالخرافات.
وكان البدائيون يظنون أن توافق أمرين زمانا أو مكانا برهان كاف على نظرية السببية، بل ومنهم من كان يتجاهل حتى ذلك الربط ويعلل الأمور بأسباب لاحقة لها زماناً أو بعيدة عنها مكاناً، ثم كثر بعد ذلك علم البشرية بالظواهر وعلاقاتها ومن شأن هذه الكثرة أن جعلت الربط بين الظواهر أقرب إلى الاطراد وأشبه بالقوانين العامة، حتى أصبحت العلاقات منتظمة وثابتة وخاضعة للتجربة والحساب الرياضى الدقيق، وكان ذلك آخر الخرافات وأول العلوم ولذلك كان التطور العلمى الذى وصلنا إليه اليوم يجزم بأنه إذا أمكن الكشف عن علاقة ثابتة رياضية بين الظواهر، كان هذا برهاناً مقبولا على الحقيقة فى هذا النوع من ضروب التفكير الإنسانى.
•أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة