العلم وحده يمكنه تعبئة الشمس فى زجاجات
عندما كتبت عن أهمية أن نقدم حوافز للرؤوس والعقول، مثلما نقدم حوافز للاستثمار، تلقيت ردود أفعال تؤيد الفكرة، لكن البعض يتساءل عن آلية عاجلة لجذب العلماء والاستفاد من جهودهم، وهناك من تساءل لماذا لم نستفد من تجارب مهمة فى الطب، مثل مركز الكلى فى المنصورة وتجربة الدكتور محمد غنيم، وتجربة مركز مجدى يعقوب للقلب فى أسوان؟ وهى تجارب عملية ناجحة، يمكن أن تتجاوز كونها تجارب فردية إلى مدارس تنقل الخبرات وطريقة الإدارة، وإذا كانت مثل هذه التجارب نجحت فلماذا لا نستفيد منها؟
ومع الاعتراف بأهمية الاستثمارات المالية، لا يمكن أن نفعل هذا من دون عقول وأفكار وعلماء وخبرات. وهناك دول تقدمت بالرغم من أنها بلا مصادر طبيعية، لمجرد أنها اعتمدت على تطوير التعليم والبحث العلمى وتنمية القدرات والابتكار. فالأفكار هى التى تضاعف الثروة، والمال ليس وحده الثروة. وهناك دول انتقلت من الفقر للثراء والتقدم، لمجرد أنها التفتت للتعليم ببرامج عاجلة ومكثفة، بالإضافة إلى فرض قوانين تكفل تكافؤ الفرص، وتعطى الأولوية للمتفوقين والمجتهدين، وهم من كان نظامنا طاردا لهم، بسبب عوامل كثيرة، منها التوريث والواسطة، وتراجع البحث العلمى، وكلها عناصر طاردة. نحن بحاجة لاستعادة الاحترام للعلم والخبرة والتخصص- فى كل مجال- لأن العلم هو أيضا القادر على فرض قيم التسامح والتعدد والديمقراطية أكثر مما تفعل السياسة، لأنه يقدم الحلول للمشكلات، ويخرج الوضع من الصراعات الكلامية التى لا تقدم فائدة.
الثروة يمكن أن تكون مادة خام أو خامات مدفونة فى الجبال، والدليل أن العلماء والمغامرين هم من استخرج الذهب من تراب الجبال، وهم من صنع الحديد والخشب ورغيف العيش. حتى الطيران والفضاء كلها كانت أفكارا نظرية ومجرد أحلام فنانين أثارت السخرية فى حينها.
على سبيل المثال مصر ودول أفريقيا وجميع الدول الحارة التى تتمتع بشمس طوال العام هى دول تعانى الحر، لكنها تمتلك ثروة طاقة شمسية طوال العام يمكن أن تتحول إلى كهرباء وطاقة تستخدم فى التصنيع والتنمية، ولنا أن نتصور أفريقيا وقد نجحت فى استغلال شمسها الساطعة التى تمثل حرارة غير مرغوب فيها يستخدم الناس المكيفات والمراوح للتخلص منها، هذه المكيفات والمراوح والثلاجات تستهلك طاقة يتم توليدها من البترول أو الماء، لكن لو استغلت أفريقيا الطاقة الشمسية النظيفة، يمكن أن تستغل الحرارة والضوء لتوليد كهرباء، وفى نفس الوقت تقلل من الحر والتعب، وتستخدم الطاقة نفسها فى مواجهة تأثيرات الحر. كل هذا ربما لم يكن واردا، لكنه الآن متاح وممكن ويوفر بين 20 و%40 من حاجات الدول من البترول. وهو ما يعنى مليارات، فضلا عن كونه يستغل طاقة لا تنضب ومتجددة، ويوما ما سوف تنتهى المصادر الطبيعية كالبترول. لتبقى الطاقة المتجددة هى الحل، وإذا كانت أوروبا ودول لا تمتلك شمسنا تستثمر فى الطاقة المتجددة، فكيف يمكننا أن نهمل مصادر مهمة. العلم وحده يمكنه تعبئة الشمس فى زجاجات.
بالطبع فإن الطاقة المتجددة لا تزال تحتاج لاستثمارات كبيرة، وإن كانت التكلفة التى تنخفض مع التوسع فى الإنتاج، وهو ما يعيدنا لنقطة البداية، العلم والعلماء والتعليم والاستثمار فى العقول.
والطاقة مجرد مثال، لأهمية العلم والعلماء، وهذا يختلف عن استيراد الخبراء والمتخصصين، لأنه يعنى دعم العلوم والأبحاث التى يراها البعض مضيعة للوقت والجهد، بينما هى تضع أساسيات التفكير، وهو ما يعيدنا إلى نقطة البدء، توفير آلية لاستعادة أهمية التعليم والعلماء فى قيادة المجتمع نحو المستقبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصدر مسؤول
الأنطلاق فى كل المجالات بما فيها البحث العلمى يتطلب أولا التخلص من الجهل و ثقافه العرقله