فى أوائل الشتاء أحن إلى صلاح عبدالصبور، وفى الأيام الجرداء أحن إلى صلاح عبدالصبور، وبلا سبب أحن إلى صلاح عبدالصبور، ذلك لأن هذا الشاعر المصرى الأروع قادر فى كل حين على أن يقبض على روح الإنسان الفرد فى مواجهة العالم، فيصورها ساخنة طازجة عفية ومتألمة، وبلا سبب أيضًا وجدتنى أتمتم بهذا المقطع من قصيدة «الظل والصليب» التى أدعوك أن تتمتمها معى:
ملاحنا ينتف شعر الذقن فى جنون
يدعو اله النقمة المجنون أن يلين قلبه، ولا يلين
«ينشده أبناءه وأهله الأدنين، والوسادة التى لوى عليها فخذ زوجه، أولدها محمداً وأحمداً وسيدا
وخضرة البكر التى لم يفترع حجابها انس ولا شيطان»
«يدعو اله النعمة الأمين أن يرعاه حتى يقضى الصلاة،
حتى يؤتى الزكاة، حتى ينحر القربان، حتى يبتنى بحر ماله كنيسة ومسجداً وخان»
للفقراء التاعسين من صعاليك الزمان
ملاحنا يلوى أصابعاً خطاطيف على المجداف والسكان
ملاحنا هوى إلى قاع السفين، واستكان
وجاش بالبكا بلا دمع.. بلا لسان
ملاحنا مات قبيل الموت، حين ودع الأصحاب
.. والأحباب والزمان والمكان
عادت إلى قمقمها حياته، وانكمشت أعضاؤه، ومال
ومد جسمه على خط الزوال
يا شيخنا الملاح..
.. قلبك الجرىء كان ثابتاً فما له استطير
أشار بالأصابع الملوية الأعناق نحو المشرق البعيد
ثم قال:
- هذى جبال الملح والقصدير
فكل مركب تجيئها تدور
تحطمها الصخور
وانكبتا.. ندنو من المحظور، لن يفلتنا المحظور
- هذى إذن جبال الملح والقصدير
وافرحا.. نعيش فى مشارف المحظور
نموت بعد أن نذوق لحظة الرعب المرير والتوقع المرير
وبعد آلاف الليالى من زماننا الضرير
مضت ثقيلات الخطى على عصا التدبر البصير
ملاحنا أسلم سؤر الروح قبل أن نلامس الجبل
وطار قلبه من الوجل
كان سليم الجسم دون جرح، دون خدش، دون دم
حين هوت جبالنا بجسمه الضئيل نحو القاع
ولم يعش لينتصر
ولم يعش لينهزم
ملاح هذا العصر سيد البحار
لأنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم
لأنه يموت قبل أن يصارع التيار
***
هذا زمن الحق الضائع
لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله
ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة