الدولة ترعى الفساد لسببين:
السبب الأول: هو الحجة الجاهزة بطمأنة رجال الأعمال حتى لا يسحبوا نقودهم من السوق مما يضر بالاقتصاد، والنتيجة الملموسة هى استمرار الفساد وتوغله وانتشاره، وإذا كان رأس المال جبانا لأنه يخشى الخسارة، فإن الفساد شجاع إذا وجد البيئة المناسبة لنموه وازدهاره، وطماع لأنه يريد أن يحصد أكبر قدر من النقود فى أقل وقت ممكن خوفا من احتمال ظهور «طارئ ما» يمنع الفساد المستشرى فى البلد كأنه الوضع العادى والطبيعى والإيزى ميزى.
السبب الثانى: هو من الذى سيحارب الفساد إذا كانت اللغة السائدة هى المصلحة والواسطة والمحسوبية والجنيه والكارنيه، فهل سنستورد محاربين للفساد المستشرى؟ أم هل ستكفى النماذج النادرة التى نهلل لمجرد اكتشافها بين حين وآخر لمحاربة كل هذا التراث الفسادى والإفسادى؟
القانون فى مصر يساعد الفساد ويسانده، لأن القانون إما يشبه المصفاة فى كونه مليئا بالثغرات والخروم، أو يشبه «المنط» حيث يمكن القفز من فوقه والالتفاف عليه لتحقيق أكبر قدر ممكن من المفاسد، وفى ظل موت الضمير ودفنه والصلاة عليه، وانعدام الأخلاق، وغياب الرقابة، واللعب فى القوانين، وارتعاش الدولة، وعدم رغبتها فى محاربة الفساد إلا لأغراض معينة، أصبح الباب مفتوحا على مصراعيه لكل أنواع الفساد التى لا تحتاج منى أن أسردها عليك، فأنت تعايشها يوميا فى كل تفصيلة فى حياتك، فى الشوارع والمبانى والمحلات والمستشفيات والنوادى والأراضى والمدارس والجهات الحكومية والخاصة، إلخ.
الدولة ترى أن الفساد أمر طبيعى مثل الملح فى الأكل، والسكر فى الشاى، والشعرية فى الأرز، وتحاول علاج آثاره بـ«فتق» الفقراء، ارفع الدعم عن البنزين، وارفع أسعار الكهرباء، واضرب أسعار السلع الأساسية فى 3 و4 و10، هكذا يمكنها توفير مليارات الجنيهات من أجل إرضاء حفنة من «الهليبة» يهربونها إلى بنوك أوروبا، واللى تعوزه سويسرا يحرم على البيت وعلى الجامع وعلى البلد، وأنت تخرج من بيتك يوميا وتعمل ويطلع عين أهلك حتى تضع الدولة يدها فى جيبك وتأخذ وتعطى الفاسدين.
وما تقولش إيه ادتنا مصر، لأنك لو فرزته فستجده بالضرورة «فاسدا».