حملت إلينا وكالات الأنباء خبرا شديد الدلالة على ما يحدث عندنا من انفلات وتهديد لأمن البلاد بدعوى حرية الرأى والتعبير، الخبر يقول إن القضاء الفرنسى قضى بسجن أحد الشباب عامين لمجرد اتصاله بالشرطة لإعلان تأييده لهجمات باريس الإرهابية ووصفه لها بأنها رائعة.
هذا الشاب لم يزرع قنبلة ولم يرتد حزاما ناسفا ولم يفتح النار على دورية شرطة ولم ينضم لجماعة إرهابية هدفها تنفيذ عمليات اغتيال ضباط وأفراد الشرطة أو حرق المؤسسات والمصالح العامة والخاصة، على العكس من ذلك، لم يفعل سوى أن عبر عن شماتته فى الدولة الفرنسية ربما لشعوره باليأس والإحباط ولعدم تحققه بأية صورة فى المجتمع، لكنه تعرض للعقاب الفورى وفق القانون.
الدرس الأساسى فى هذا الخبر أن الدول المستقرة والتى تسعى إلى الحفاظ على كيانها وتماسك مجتمعها، لا تسمح باختلاط أولوياتها أبدا، مهما كانت العواقب ومهما تعرضت من انتقادات، فالأمن بالنسبة للدولة والمجتمع على قمة الأولويات ومن يسعى لتهديد عيش الناس فى أمان ليس له حقوق ويجب الضرب على يده فورا، ومن هنا أصدر البرلمان الفرنسى قانون تجريم كل من يمجد أو يؤيد باللفظ العمليات والأنشطة الإرهابية وطبقته السلطات هناك بحسم.
لم تخرج مظاهرات تهتف باسم الشاب، الذى يحمل للأسف الشديد اسما عربيا، هو صابر علوى، الأمر الذى يمكن أن يتسبب فى موجة كراهية جديدة للعرب والمسلمين الأبرياء فى فرنسا وأوربا، ولم تتدفق التعليقات الداعمة له على مواقع التواصل الاجتماعى، من عينة يا صابر يا بطل سجنك بيحرر وطن، ولم يسارع محترفو التظاهر «عميانى» بتنظيم وقفة على سلالم نقابة الصحفيين الفرنسية، ولم تسارع منظمات حقوق الإنسان بإصدار تقارير فورية بالوضع المزرى لحقوق الإنسان بفرنسا وتطالب بالإفراج الفورى عن الشاب المدان.
من جانبها، لا تلتفت السلطات الفرنسية إلى تقارير المنظمات الحقوقية من عينة هيومان ريتس ووتش، إن كان لها تقارير أصلا تهاجم العنف المفرط للشرطة الفرنسية فى مواجهة الإرهاب والإرهابيين أو تنتقد القوانين المتعسفة ضد الحريات الشخصية هناك، وإنما تعلن احتقارها لها وربما تغلق مكاتبها بفرنسا إن جرؤت على الطعن فى الإجراءات الأمنية الصارمة لمنع الإرهاب من الانتشار، حتى لو كان ذلك على حساب سقوط المئات من الأبرياء الضحايا.
أما عندنا فيحدث العكس تماما، تنشط المنظمات المشبوهة لتدافع عن الإرهابيين ببجاحة ما بعدها بجاحة لدرجة وصفهم بالمعارضين، وتنعقد الهيئات الدفاعية الممولة لصالح أعضاء تنظيم داعش والإخوان وغيرهما من التنظيمات المتطرفة عند سقوطهم فى أيدى الشرطة ومحاكمتهم أمام القضاء العادى، بل وتعقد دكاكين وسبوبات حقوق الإنسان الرسمية فى مصر ندوات ومؤتمرات بالنقابات المهنية للطعن فى الشرطة التى تقدم كل يوم شهيدا وأكثر ومحاولة إثبات تهمة الاختفاء القسرى وإلصاقها بأجهزة مكافحة الإرهاب فى مصر.
لأن بلادنا مستباحة ولأن صفوفنا مخترقة من الطابور الخامس الخائن، نشهد كل يوم، من يطعن فى هيبة الدولة ومن يهدد تماسك المجتمع ومن يدعم الإرهاب والإرهابيين علنا فى ندوات ومقالات وصحف وفضائيات، ومن يحاول تمرير سيناريوهات مثل منهجية التعذيب والاختفاء القسرى للسماح للدول العدوة بإعلان عقوبات سياسية على البلاد، ويمر كل ذلك دون أدنى مساءلة، فكيف يتحقق الأمن إذن؟
أيها السادة فى الحكومة والنظام والبرلمان، تعلموا الدرس الفرنسى يرحمكم الله.