الأصل فى القصة كلها هو السياسة والأطماع
يتجدد السؤال: «لماذا بريطانيا»؟ جماعة الإخوان وتقرير لجنة التحقيق البريطانية فى نشاطها الذى ناقشه مجلس العموم البريطانى يوم الخميس الماضى، هما المقصودان بالسؤال، فكل الإرهاب الذى يجتاح أوروبا ودول المنطقة يحدث فى الوقت تسمح فيه بريطانيا لجماعة الإخوان وقوى إرهابية أخرى بالوجود على أراضيها، ودعونا هنا من قصة القوانين البريطانية التى يراها البعض ملزمة للحكومة فى هذا الأمر، فليس بعد الإرهاب ذنب.
الأصل فى القصة كلها هو السياسة، والأطماع، والنفوذ، وصراع القوى الدولية فى المنطقة، وهذا ما يوضحه كتاب «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين»، تأليف «مارك كورتيس» وهو صحفى بريطانى وكاتب ومستشار، وعمل زميلا باحثا فى المعهد الملكى للشؤون الدولية، والكتاب صادر عن المركز القومى للترجمة بترجمة كمال السيد، ويفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين، دولا وجماعات وأفرادا فى أفغانستان وإيران والعراق وليبيا ودول البلقان وسوريا وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وغيرها.
يقدم الكتاب حشدا من المعلومات التاريخية للعلاقة بين بريطانيا وجماعات الإرهاب منذ خمسينيات القرن الماضى، وحتى سنوات قليلة مضت، يقول الكتاب: «ظهر فى الشرق الأوسط عدو رئيسى اتخذ شكل القومية العربية الرائجة بقيادة جمال عبد الناصر فى مصر التى سعت للنهوض بسياسة خارجية مستقلة، وإنهاء اعتماد دول الشرق الأوسط على الغرب، ولاحتواء هذا التهديد لم تساند بريطانيا والولايات المتحدة ملكيات وقيادات إقطاعية محافظة موالية للغرب فحسب، وإنما أقامت علاقات سرية مع قوى متأسلمة، خاصة الإخوان لزعزعة استقرار الحكومات ذات النزعة القومية والإطاحة بها»، ويتحدث الكتاب عن تجنيد المخابرات الأمريكية لقادة متأسلمين منهم سعيد رمضان مؤسس التنظيم الدولى للإخوان وتمويله بمبلغ 10 ملايين دولار على منحه جواز سفر، وتمويل الإخوان فى مصر ومساعدتهم فى سوريا، وتعاونت معهم هى وشركة أرامكو لتكوين خلايا منهم فى السعودية لمحاربة القومية العربية وجمال عبد الناصر».
فى الرصد التاريخى سنجد وفقا لما يذكره الكتاب وقائع عن العلاقات السرية بين بريطانيا والإخوان خاصة بعد ثورة 23 يوليو 1952، حيث اجتمعوا مع حسن الهضيبى مرشد الجماعة، وتم ذلك من وراء ظهر مجلس قيادة الثورة، وذلك فى الفترة التى سبقت مفاوضات عبد الناصر مع الحكومة البريطانية لجلاء قواتها عن مصر «1954»، ومن هذا التاريخ لم تنقطع العلاقة، لكن صعودها وهبوطها فيما يتعلق بتوظيفها خضع للحالة السياسية التى سادت المنطقة، وخلال ذلك وفرت الحكومات البريطانية أراضيها كى تكون ملاذا آمنا للإرهابيين، ووفقا لما يذكره الكتاب: «حصل البعض منهم على حق اللجوء السياسى مع مواصلة الانخراط فى أعمال الإرهاب فى الخارج، ولذلك عرفت مدينة لندن بـ«لندستان»، ويضيف: «إن بعض العناصر على الأقل فى العاصمة البريطانية سمحت للجماعات المتأسلمة بأن تعمل انطلاقا من لندن، ليس لأنها فقط كانت تقدم معلومات لأجهزة الأمن، ولكن أيضا، لأنها كانت مفيدة للسياسة الخارجية البريطانية خاصة فى الحفاظ على شرق أوسط منقسم سياسيا» هذه الخلفية التاريخية لا غنى عنها فى فهم العلاقة الخاصة بين بريطانيا وجماعة الإخوان، وطبقا لوقائعها هى علاقة توظيفية من بريطانيا لأطماعها فى المنطقة، غير أن اللافت فى تقرير لجنة التحقيق البريطانية قوله، إن الجماعة ارتكبت بعض أعمال العنف منذ نشأتها، وأن أبرز مفكريها سيد قطب قد تبنى الأفكار المتطرفة للمنظر الباكستانى أبو الأعلى المودودى الذى أثر بدوره فى العديد من المتطرفين، وقال التقرير: «إن هناك علاقة غامضة للإخوان مع جماعات العنف والإرهاب وأن اللغة التى تستخدمها الجماعة مع الغرب سلمية للغاية وتتناقض مع اللغة المتشددة المستخدمة مع الداخل».
حين نقرأ كلاما على هذا النحو سنتعجب من الحالة البريطانية التى يبدو أنها اكتشفت ذلك فجأة، فهل هذا صحيح؟.. يتبع.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة