بعيدا عن خناقات البرلمان والضرب تحت وفوق الحزام، والصراع على المناصب والكراسى واعتلاء المنصة، وبعيدا عن ارتفاع سعر الدولار فى السوق السوداء، وأثر ذلك على رفع التجار أسعار السلع والخدمات، وبعيدا عن كوباية الشاى، وصل ثمنها فى بعض الكافيهات ثلاثين جنيهات آه والله، وبعيدا عن حلول الترقيع والمسكنات العشوائية التى تجربها الحكومة، وبعيدا عن ألاعيب التنظيم الدولى للإخوان وصراع الشباب والشيوخ فى المنافى وأكاذيبهم ومحاولاتهم الخسيسة لتوظيف الألتراس ودكاكين النشطاء الحقوقية، وبعيدا عن إعادة إنتاج الحزب الوثنى المباركى وظهور رموزه على الشاشات، وكأنه لم تقم ثورتان فى مصر، وبعيدا عن إهمال الحكومة لملف الصحة وتصرفات وزيرها والشلة التى جاء بها لمقر الوزارة، وبعيدا عن موت المصريين ورميهم على الأرصفة، شوف حكاية الطفلة حبيبة واللى حصلها، لأن قرار علاج حالات الحوادث بالطوارئ الذى أصدره الوزير السابق د.عادل العدوى «لحسه» الوزير الحالى، وبعيدا عن سد النهضة ومشاكل إثيوبيا التى هلل لها جمهور السوشيال ميديا.
بعيدا عن كل ذلك، وآسف لطول المقدمة، أريد أن أتحدث عن حاجة إيجابية أسعدتنى، وهى موهبة مصرية عالمية تعمل فى صمت منذ ما يقرب من عشرين عاما، ورفعت اسمنا فى كل المحافل الموسيقية الدولية، إنه الموهوب الساحر باسم درويش الذى يستحق تسجيل تجربته فى عشرات المقالات والكتب، باسم صعيدى الأصل، عاشق للموسيقى، وعازف عود وصل عزفه للعالمية، قيل لى إنه طبيب ومهندس وكان «بزنس مان»، قبل أن يقرر هجرة كل شىء، ويذهب لمعشوقته الموسيقى، احترف عزف العود، وقرر الهجرة لألمانيا أواخر الثمانينات، وهناك درس الموسيقى الكلاسيكية وفن الأوبرا، ونقل لهم الموسيقى النوبية والفرعونية، وأطلقوا عليه سفير الموسيقى المصرية، قدم حفلاته فى أعرق وأهم الأوبرات، وفى عام 1990 كوّن فرقة «كايرو استيبس»، مع اثنين من أهم مشاهير الموسيقيين فى العالم، هما ماتياس فرأى، واسبستيان شر بسدروف، والأخير حاصل على جائزة إيمى وجرامى أكثر من مرة، والاثنان مع درويش شاركا فى وضع موسيقى العديد من الأفلام والمسلسلات العالمية، وحصلوا على العديد من الجوائز، وحفلاتهم يتم حجزها قبلها بعدة أشهر فى مدن العالم، لكل ذلك كانت استجابة باسم درويش لدعوة المبدعة د.إيناس عبد الدايم، رئيس الأوبرا، سريعة.
جاء فريق كايرو استيبس، كلهم ألمان وأوروبيون، عدا باسم، ومع ذلك اسمها كايرو، وضع باسم اسم الأمسية، المولد والميلاد، احتفالا بقدوم المناسبتين العظيمتين معا المولد النبوى الشريف وميلاد السيد المسيح، إنه أراد أن يعطى درسا مدهشا فى وحدة مصر وتوحدها فنيا وموسيقيا ودينيا، نعم الدين لله والوطن للجميع، لقد مزج باسم مع فرقته ببن أجراس الكنائس والموسيقى القبطية التى تعود لأكثر من عشرة قرون وبين أصوات الصوفية والذكر والأذان، كم كان مصريا خالصا عندما قدم تكبير على الهلباوى وإنشاده فى العشق الإلهى مع ترانيم مونيكا جورج القبطية المصرية، ثم تصدح الصوت السماوى مروة ناجى بأغنية برضاك لأم كلثوم، وتزلزل أرجاء الأوبرا وتخلع قلوبنا، كم كنت رائعة كعادتك يا مروة مع عزف إيناس عبد الدايم على الفلوت مع الحوار الجدلى، والناطق موسيقيا بين العود والجبتار، ما هذا الجمال! بدا لى باسم وهو يعزف كأنه ابن الرومى الصوفى أو شمس التبريزى وهو يجادله فى التواصل الروحى، أو كأنه غاندى طعامه الموسيقى، ويدعونا لمشاركته وجبة غذاء الروح، ثم كانت المفاجأة أن يأتى الكينيج محمد منير ليختم الحفل، وعرفت أن الفرقة هى نفسها التى تصاحبه فى ألمانيا، وأن باسم هو ملحن أغنية منير الأخيرة «منك اتعلمت» التى صدح بها، والتهبت أكف الحاضرين من التصفيق، تحية للعبقرى المصرى باسم درويش الذى يعشق مصر على طريقته، وهو يستحق لقب سفير مصر للعالم، لأنه كما قال يقدم السلام والحب وهما رسالة مصر للدنيا منذ فجر التاريخ وستظل، تحيا مصر بعشاقها من الموهوبين الكبار الذين يرفعون اسمها فى كل الدنيا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عدول
ههههههههههههههههه
أحمد موسى بيسلم عليك