كلما اقتربت ذكرى ثورة 25 يناير، يتطوع كارهوها والمنتفعون من ورائها لتقديم الاستعراضات التى تضحك وتسلى الثوار الحقيقيين، ممن خرجوا يأسا وغضبا على نظام مبارك، وبحثا عن عيش أفضل وكرامة إنسانية مهدرة وعدالة اجتماعية مفقودة.
الثوار الحقيقيون من عموم الناس لم يهتموا بالظهور فى وسائل الإعلام، ولم يسعوا أبدا إلى مكاسب فردية برفع شعارات الثورة أو ادعاء احتكارهم لها، وهم جالسون على مقاهى وسط البلد، ولم يعرفوا الطريق إلى مكاتب سماسرة الاتحاد الأوروبى والسفارة الأمريكية، الذين دخلوا على خط الثورة لتوجيهها وإفسادها، وكذا لم يأتلفوا مع لصوص الإخوان الذين وضعوا أيديهم كالعادة مع أعداء هذا البلد، واعتبروا أنفسهم أصحاب توكيل الثورة، لكنهم باختصار وفور سقوط الديكتاتور الغاشم عادوا إلى مصانعهم وحقولهم وأعمالهم، وكلهم أمل أن الدنيا ستتغير ما داموا قد قاموا بواجبهم وأزاحوا الديكتاتور.
الثوار الحقيقيون من عموم الناس لم يتصوروا أبدا أن يتم مسخ واختزال ثورتهم العظيمة فى الفصيلين التافهين من المنتفعين والكارهين، وأن يحتل الفصيلان بقوة الفساد وسائل الإعلام، ليخوضا معركة وهمية لتشويه الثورة أو لحصد المكاسب، بينما الدولة العميقة تجهز على البقية الباقية من عافية وقدرة وقوة فى هذا البلد لدفعه دفعا إلى السقوط والإفلاس.
الثوار الحقيقيون عادوا إلى بيوتهم وكنبتهم الخالدة ليتفرجوا على أراجوزات الإخوان وحلفائهم من المجرمين والمتطرفين، بعد أن تسلموا البلد بوضع اليد، وبتمكين وحماية السفارة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، وعلى أراجوزات مبارك وهم يشمتون فى الناس الذين خرجوا على المستبد، ويعملون على معاقبتهم بالانفلات الأمنى وإطلاق المسجلين على الطرق السريعة يسرقون وينهبون، وكذا على الأراجوزات المتحولين الباحثين عن الذهب والأموال فى جيوب من سقطوا فى المعركة ونباشى القبور، الذين تاجروا بالشعارات بينما يخفون اللصوص والمرابين داخلهم.
كانت أياما سوداء فى المجمل، بعد ثورة شعبية عظيمة ، ولأنها ثورة شعبية بلا رأس، تصدر المنتفعون والكارهون المشهد، وفرضوا معركتهم الوهمية على الناس ، ووجد فيها العدو فرصة لتمرير سيناريو الإجهاز على البلد، بينما الجماعات مشغولة بحسابات البيع والشراء، جماعة الإخوان تحتفل بتحقيق حلمها الفاشى بأستاذية العالم من خلال بيع سيناء للأمريكان والصهاينة وبيع حلايب للبشير، وجماعة مبارك مشغولة ببيع أصول البلد وتهريب الفلوس للخارج ودفع شركائهم فى الشركات الأجنبية إلى رفع قضايا التحكيم الدولى لامتصاص البقية الباقية من خير، وجماعة الدولة العميقة ووكلائها من النهابين الصغار تدير أكبر حملة لتغيير وجه البلد بالعشوائيات، وفرض سطوتها على مناطق نفوذها، وأدرك الناس سريعا أن ثورتهم تم السطو عليها من الأراذل، وبدأ بركان الغضب يغلى من جديد.
لم تكن ثورة 30 يونيو إلا نوعا من الغضب والاحتجاج ضد لصوص وأعداء ثورة 25 يناير، سواء من المنتفعين أو الكارهين، كان عموم الناس يبحثون عن نهاية سعيدة لثورتهم وعن نتيجة لتضحياتهم الفريدة بالتحرك والانتفاض لإسقاط المستبد، هم المشغولون عبر التاريخ بالحفاظ على الحياة وضمان استمرارها، ومواجهة المستبدين بالانفصال عنهم وحصارهم فى سلطتهم حتى يسقطوا من تلقاء أنفسهم، وكان لا بد من البحث عن رأس للثورة وعن ضامن لها
بحث الناس عن رأس لثورتهم المغدورة وعن ضامن لها ، كان بحثا فى الحقيقة عمن يحقق مطالب الثوار الحقيقيين التى تمثلت فى الشعار الشهير "عيش -عدالة - كرامة إنسانية"، رغم كل أشكال الرفض والتعويق من عدو خارجى لا يريد لنا أن نحقق أهدافنا، ومن جماعات المنتفعين والكارهين التى تبحث عن مصالحها التافهة، أو تنفذ سيناريوهات العدو الخارجى.
ورغم أن الناس التى خرجت فى 30 يونيو سلمت ثورتها لقيادة أمينة وضامن لمطالبها وآمالها وأحلامها، فإن المنتفعين والكارهين لثورة 25 يناير يسعون إلى فرض معركتهم الوهمية من جديد، خاصة كلما اقتربت الذكرى، ولا عزاء للجماعات!