أقرب طريق لعين المتفرج «الإفيه».. ولهذا أصبحنا فى زمن السياسى والنائب والرياضى والإعلامى «الإفيه»، من عقود بعيدة كانت هناك توقعات أن تتغير أشكال السلطة بفضل ثورة معلومات لا تترك شيئا على حاله، وهو ما يجرى فى العالم وليس فقط عندنا، لكن الجرعة لدينا أكثر، هناك فرق بين التأثير والإثارة، وبين سياسى أو فنان يقدم عملا، وآخر يقدم عروضا أقرب للحاوى الشعبى الذى يتشقلب ومعه قرده، ويعمل نوم العازب وعجين الفلاحة ليحظى بالفرجة، ونرى فنانة أشهر أدوارها خبر موتها، وعودتها للحياة، ونائبا أكبر إنجازاته هو القدرة على صناعة الشتائم ومهاجمة غيره.
وإذا كان الحاوى معذورا، يبحث عن أكل عيش، فلا حجة لحواة السياسة والإعلام؟ لا فرق هنا بين مؤيد ومعارض المهم أن يحتل مساحة من الفرجة والإعجاب، ويظل السؤال: هل الضجيج يمكنه تغيير واقع أو تصحيح خطأ؟ الإجابة غالبا بالنفى، ومع هذا فإن أقرب طريق لإثارة الإعجاب هى «التهجيص»، والبحث عن أعلى نقاط الإثارة، مثلما يفعل ممثل المسرح الذى يريد سرقة الكاميرات، فيخرج عن النص، أو يعمل حركات.
نحن أمام سيرك.. خناقات أو معارك أو خلافات وتصريحات.. وتصريحات مضادة، وشتائم وانسحابات وسحر وشعوذة، مصنوع من محترفين.. يتقمص النائب دور العبيط الجاد، أو دور العالم ببواطن الأمور والزعيم المتزعم، يهاجم زملاءه أو ينتقد التكتلات والائتلافات، ممثلا لتمويل ما أو شخص ما أو جهة ما، ويرتضى أن يكون «ألعوبة»..والنتيجة أننا لم نعد نرى سياسة وإنما سياسيون يتنافرون ويتعاركون حول «أى كلام» ولا نرى محامين يترافعون أمام المحاكم، لكن كلا منهم يعرض قضيته أمام الجمهور فى برامج التوك شو فهو يخسر القضية لأنه يتأخر ويعجز ويتلعثم أمام القاضى، لكنه يلعب دور المفوه والفظيع أمام جمهور التوك شو.
حتى الإعلاميون والكتاب بعضهم أصبح يكتب بحثا عن «اللايكات» ومعجبين ينتظرونه على ناصية «فيس بوك أو تويتر»، بالإعجاب، ويتصور أنهم الجمهور والأمر كله مجرد نميمة، والنتيجة أن التأييد أصبح هيصة وتطبيلا ونفاقغ، والمعارضة أصبحت شتائم وهجوما، يختفى الشخص الطبيعى الذى يمكن أن يرى الصح والخطأ، أو يتعامل بلا تهوين أو تهويل.
والنتيجة أن كتابا كانوا مبشرين غرقوا فى آبار البحث عن «لايكات»، وفقدوا تأثيرهم وسط حالة من «الفحيح»، لا أحد يتوقف يؤيد ما يستحق، ويرفض ما يثير، أو يقدم وجهة نظر وليس مجرد «تطبيل أو لطم»، والنتيجة أن السيادة لـ«الأكثر تهجيصا» وتطبيلا ولطما، وإذا كان النواب والسياسيون لهم سوابق فى «التهجيص» فقد غرق كتاب وإعلاميون يزعمون الجدية فى «هيصة البحث عن لايكات»، معارضة أو تطبيلا.