بعد رحلة طويلة قادمًا من مدينة جوانزو الصينية وصلت أخيرًا إلى مطار القاهرة، ولك أن تعرف أن كل مطارات العالم تتبع نفس الأسلوب ونفس الخطوات ونفس الروتين، بداية من تسليم الحقائب وحتى صعودك إلى الطائرة ثم استلام الحقائب وخروجك من المطار، لكن ينفرد مطار القاهرة بخاصية محيرة وهى أنك تشعر منذ الخطوة الأولى بأنك تقوم بهذه الخطوات وكأنها خطوات تمثيلية وليست خطوات حقيقية، نحن نهتم بالشكل لا بالمضمون، نهتم بالإجراءات وليس بالمقصود من الإجراءات، وفى الحقيقة فإننى حزنت كثيرا حينما مررت بمطار جوانزو، ورأيت طوابير البشر أمام بوابات شركة طيران دولة عربية شقيقة بينما بوابات مصر للطيران تكاد تكون خالية، لكنى بعد أن وصلت إلى مطار القاهرة عرفت أنه من العبث أن تقنع أحدا بالسفر على متن خطوط مصر للطيران وبمصر مثل هذا المطار!
فى كل مطارات العالم يقف من ينتظرون القادمين خارج بوابات الجمارك وهى آخر بوابات يمر بها المسافر، لكن فى مصر وحدها وجدت العديد من الأشخاص يقفون على سلم الطائرة حاملين لافتات مكتوب عليها أسماء بعض الأشخاص، وهنا تساءلت: هل من الجائز دخول هؤلاء الأشخاص إلى الحرم المخصص لهبوط الطائرات؟ وهل من الجائز أيضا أن يخرج كل واحد من المطار بالطريقة التى تحلو له؟ وأن يترك الحافلة المخصصة لنقل الركاب من حرم الطائرات إلى منطقة الجوازات؟ وأى رسالة نريد توصيلها للقادمين من الخارج سواء كانوا سائحين أو رجال أعمال أو سياسيين حينما يرون هذا المشهد غير المألوف الذى ينتهك كل القوانين البشرية؟
بعد خروج الطائرة واستقلال الحافلة «المتسخة» مرننا بالطرق التى توصلنا إلى صالة الجمارك، وفى الطريق رأيت بعض اللافتات السياحية التى من المفترض أنها تعرفك شيئا عن حضارة هذا البلد، فوجدتها فى أسوأ حال، غير نظيفة وغير موضوعة بعناية وغير مصممة من أجل إبراز مفاتن الحضارة المصرية، تشعر وكأنها صنعت فى «استديو عبده وولده رأفت للتصوير» فى حين أن بمصر مئات المصورين الفوتغرافيين القادرين على إبراز مفاتن مصر وآثارها بشكل أفضل، ناهيك عن تصميم وضع هذه الملصقات وطريقة التى تدل على أننا لا نفكر وإن فكرنا ضاعفنا مصائبنا.
فى صالة الجوازات كانت المصيبة، فقد وقفت كما وقف عشرات غيرى فى أحد الطوابير الموصلة إلى موظف الجوازات، وفجأة جاءت مجموعة من الفتيات العربيات ووقفن فى طابور مواز قبيل انتهاء طابورنا بقليل فى محاولة منهن لتخطى الدور، حاولت فى البداية أن أنبههن إلى أن الوقوف فى هذا المكان مخالف للذوق والقانون، لكنهن لم يعرن لكلامى أهمية، فاستنجدت بأمن المطار فجاءتنى إحدى الموظفات، رأت هذا الوضع الشاذ وقالت للبنات أن يرجعن، ولما تجاهلنها مشت وتركتهن، وما هى إلا دقائق حتى وقف خلفهن عشرات، وأصبح الطابور اثنين وثلاثة، سرعان ما تحولت الصالة إلى سويقة، الكل يصرخ والكل يشتم والكل يلعن البلد بما فيها، فهل هذه الصورة «غير المحترمة» هى ما نريد توصيلها إلى سائح يصل إلى مصر لأول مرة؟ وهل هذه الصورة العشوائية الفاسدة المهملة هى ما نرتضيه لبلدنا؟