مازال الألف أو الثلاثة آلاف ثائر الذين بدأوا بالنزول أيام يناير يظنون أنهم الشعب! وأنهم هم من أشعلوا الفتيل التى كانت بالفعل مشتعلة وأن الجموع تحركت لأجلهم لا لأن الكيل كان قد طفح، مازال هؤلاء يظنون أنهم من حركوا الوعى! والأخطر أنه مازال هؤلاء يظنون أنه كان أملٌ هناك فى تجربة ديمقراطية مع وجود مرسى والإخوان فى الحكم! وأنه لو اقتنع الإخوان وانتصحوا بنصائحهم لتمت التجربة! وأنه لو أمهل الشعب الإخوان وأمهلهم هم أنفسهم؛ أقصد الثوار الصغار؛ لكانوا قادرين على الإخوان الكبار! ذلك بأن هؤلاء حلموا بالحكم وبالتغيير بعد أن زُيِن لهم بفعل فاعل لكن ذلك كان فوق طاقتهم، والعدد يغلب الشطارة والكثرة تغلب الشجاعة، فلم يكن أمامهم من بد إلا التحالف مع الإخوان لحاجتهم إلى العدد، وقد أقنعهم الإخوان كما أقنعوا غيرهم أنهم قادرون على الحشد، أى أنهم استغلوا الإخوان لعددهم ولقدرتهم على الحشد بالرغم من عدم اقتناعهم بآرائهم، والإخوان استغلوهم لتمتعهم بما افتقروا إليه من جرأة وتهور وقدرة على المبادرة، أيضًا مع عدم اقتناعهم بآرائهم، أى أن الاثنين لجآ لبعضهما البعض وتحالفا طمعا وليس حبًا وقناعةً، مطية لا أكثر ولا أقل، ومازال هؤلاء الحالمون يحلمون بالأمل مع هذه الجماعة التى جهلوا لحداثتهم أنها إرهابية ويعتقدون أن بإمكانهما معا معاودة الكرة من جديد وأن الجماعة فى هذه المرة قد يطيعون! وأن الجماعة مازالت قادرة على الحشد، وأن ما حدث لقنها درسا، وأن الشعب سيعاود الكرة ويستجيب، وأن هناك محركًا لإرادة الجماهير كى تثور كما سبق وثارث فى يناير! وأن هناك ذرة ثقة من الشعب فى هؤلاء الثوار أو فى الإخوان الإخوان!
يا شباب الثوار، نعلم أنكم حريصون على عودة الإخوان حرصكم على عودتكم أنتم لدهاليز أو لنقل كواليس الحكم الذى داعب خيالكم فى غفلة من الزمان، هى نوستالچيا لوضع كان لكم وقت حكم الإخوان والذى كان أشبه بالرقص على السلم قبلتم به لأنه منتهى أملكم وغاية طموحكم "فمن لا يرضى بالخوخ يرضى بشرابه" تقنعون أنفسكم أن الإخوان قد وعوا الدرس وأنهم سيختلفون فى هذه المرة وسيُؤَمِّرونكم وستتقاسمون الكعكة لذلك تدعون للمصالحة والتوافق والدمج وكأنكم كنتم على وفاق معهم وقت أن كانوا، وكأنه كان بينكم قصة حب أبدية وهى لا تتعدى كونها شهر عسل لم يتم، وتتناسون أنهم باعوكم بعيد الثورة وأنكروكم، ثم لاذوا بكم بعد أن نبذهم الشعب رافعين قميص يناير للمزايدة متناسين أنهم باعوها هى الأخرى فى أول المزاد!
كلاكما يا دعاة الثورة الثالثة من ثوار وإخوان يستغل الآخر وقد توافقت ثانيةً مصالح الفرقاء طمعا فى حلم السلطة المستحيل الذى تحقق فى غفلة من الزمان ثم ذهب أدراج الرياح! يا هؤلاء أفيقوا كلاكما لا تصلحان للحكم ولا لشىء وكلاكما لن تتغيرا، فالإخوان إن لم يخونوا لا يكونوا إخوانا!
وأنتم إن عقلتم لن تكونوا ثوارا ومصر أبدا لن تكون لكم الجائزة "The prize" أم أنكم مازلتم فى غفلتكم؟؟ فلا الوقت وقت ثورات ولا الشعب سيستجيب وقد انتفت أسبابه، ولا للإخوان عهد ولا هم يتغيرون، فالتقية مبدأهم يتحالفون فإذا ما بلغوا بدأوا فى فرض أفكارهم وأفراد جماعتهم، وحين ترفض الأنظمة المتحالفة والشعوب أفكارهم الظلامية ينتهجون العنف والإرهاب الذى هو جزء لا يتجزأ من أيديولوچياتهم، انقلبوا على ناصر وحاولوا اغتياله فى المنشية واغتالوا السادات وانقلبوا على مبارك بعد أن أعطاهم؛ رغم تاريخهم الدموى؛ فرصة التواجد فى الشارع وفى الحياة السياسية، رأينا كيف أيد مرشدهم محمد بديع ترشيح جمال مبارك للرئاسة وكيف كان يصف مبارك بأبٍ لكل المصريين، وهل ننسى وعدهم بعيد يناير بأنهم لن ينافسوا إلا على نسبة 45٪ من مقاعد مجلس الشعب وحنثوا فى الوعد ونافسوا على كل المقاعد!
وقالوا إنهم لن يدفعوا بمرشح للرئاسة وحنثوا فى الوعد! ثم قال مرسى إنه سيكون رئيسًا لكل المصريين ثم حنث فى الوعد! فلا كان رئيسًا ولا كان لكل المصريين وإنما كان مرؤوسًا يأتمر بأوامر رئيسه الأعلى كما لم يكن يمثل إلا أهله وعشيرته التى تضمنت القتلة والإرهابيين وإرهابيى حماس وغيرهم من صنوف البشر الذين لا علاقة لهم بشعب مصر!
ووصل فى عهده أفراد الجماعة إلى أعلى المناصب فى كل مؤسسات الدولة ومفاصلها حتى كادت تضيع هويتنا وحدودنا وتهددت مصالحنا واستأثروا فى غفلة من الزمان بعد أن انسحب كل معارضيهم واحدا تلو الآخر بلجنة إعداد الدستور الذى تم طبخه فى جنح الليل ليكون طائفيا دينيا بامتياز، وبعد كل ما عانى الشعب منهم لم يضع هذا الدستور الذى فصل كما يشاؤون على آلية لمحاسبة الرئيس وعزله وعزلهم ولم يوصف حدودًا للخيانة من تسريب أسرار الدولة لأعدائها والتفريط فى أراضيها لم يقبل هؤلاء أى حل توافقى فى إجراء انتخابات مبكرة هؤلاء الذين قرروا البقاء فى الحكم خمسمئة على الأقل رأينا أنفسنا كشعب أمام نموذج شقيقتهم الصغرى حماس التى قسمت الشعب الفلسطينى وأضاعت قضيته ولم تعد كرة انتخابها منذ تلك المرة، كانت النتيجة أن اجتاحت المظاهرات الشوارع حول القصر واستخدمت الجماعة العنف مع المتظاهرين فى الاتحادية وأمام مقرها فى المقطم وفوجئنا بصمت الدولة التام إزاء خطف جنودنا وبقرهم وقت الأذان واضطهاد المسيحيين وحرقهم وحرق كنائسهم ومنازلهم وتهجيرهم فى وضح النهار طوال حكم مرسى، ثم ما قولكم فى اعتصام رابعة المسلح وخطب منصتها العصماء وتوالى التفجيرات فى سيناء؟ لقد ظن هؤلاء أنهم دولة داخل الدولة وأنهم لها ندا! لهم جيشهم وسلاحهم وقضاؤهم وإعلامهم!
ورأى دعاة الثورة اليوم أنه كان على الدولة المصرية أن تمهلهم أكثر مما أمهلتهم مع كل الرعب الذى بثوه فينا وفى مصر! ماذا كانوا يريدون؟ أن ننتظر أكثر وأكثر حتى يأتهم المدد وقد رأينا مختلف الجنسيات تخطب فى رابعة! والتفجيرات تتوالى ولا تتوقف ماذا كان مخططا؟ أن نعيش حربا أهلية! حرب شوارع! لقد أمهلتهم الدولة بالفعل وزللت لهم طرقا آمنة للخروج رأيناها جميعا رأى العين، إلا أن نفوسا مريضة ظلت لتحارب الدولة وتبادئها القتل هؤلاء الثوار الذين استنكروا فض اعتصام رابعة المسلح الذى كان معسكرا لجماعة خارجة عن الدولة.
أنتم والإخوان فى ذات المعسكر، معسكر "فيها لأخفيها" ولأن طاقة الشعوب وأحوال الدول لا تتحمل تكرار تجربة الثورة ونزول الجماهير إلى الشارع وما يصحبها من توقف دولاب الحياة وهدم للهيايراركى الوظيفى من أعلاه وما يتبعه من الشلل الذى يصيب كبرى مؤسسات الدولة والفوضى العارمة التى تحل وما يترتب من هروب الإستثمارات وتراجع عجلة الاقتصاد مما يؤدى إلى جوع طبقة العمال لكساد سوق العمل وتضور الطبقات الأكثر فقرا.
وأعود وأكرر كلام هرقليطس "إنكم لن تستحموا فى النهر الواحد مرتين " on ne se beigne jamais deux fois dans le même fleuve "
ما حدث لمبارك كان عبرة لمن يعتبر فمهما قويت شوكة حاكم وامتدت أواصره وطال به الأمد وأمهلته الأيام لا يأمن الحساب، وفى تجربة مرسى أيضا لعبرة أنه مهما تأصلت جذورك التاريخية وتشعبت وامتدت عشيرتك وتوحشت ومهما مارست من تهديد ووعيد وبلطجة وإرهاب وتمسحت فى دين الله، لن تمنع الجماهير من مواجهتك والصراخ فى وجهك، مهما كانوا من تشددوا لك ودعموك وساندوك فإرادة الشعب فوق أولئك وهؤلاء، وفى النهاية لن يصح إلا الصحيح.
* أستاذ بطب قصر العينى