فى مخطوطة مشهورة للمؤرخ عبداللطيف البغدادى بعنوان «الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر»، هناك فصل مرعب يتحدث عن «المجاعة» التى أصابت مصر فى القرن الثانى عشر الميلادى، فالنيل يبست أرضه بعد أن جف ماؤه، وأصبح الناس من فرط الجوع من آكلى لحوم البشر، وصارت هناك عصابات تخطف الأطفال لتذبحهم وتأكلهم، وأصبح الناس يموتون فى الشارع، فيتركون هناك لا يجدون من يدفن جثثهم، وهناك مدن وقرى كاملة مات أهلها عن آخرهم، وبينما يحكى البغدادى عن هذه الفواجع وعن أثر المجاعات والهموم أخذه الكلام إلى الحديث عن أبى الهول الذى كان حينها لا تظهر سوى رأسه، بينما باقى جسده مدفون تحت الأرض، لذا ظن البغدادى أن ما يراه هو وجه لجسد رجل ممتد فى باطن الأرض، فقال البغدادى: إن هذا الوجه رمز الوسامة فى العالم، لأنه حسن التقاسيم، فالمسافة بين أنفه وجبهته تساوى المسافة بين أنفه وذقنه، وهى متناسبة مع باقى ملامح الوجه، وأقر البغدادى أنه إذا ما توافرت هذه التقاسيم فى أى وجه أصبح وسيما.
وفى الكلام السابق ملاحظتان، الأولى المجاعة القاسية التى مرت بها مصر، والثانية والأخطر أنه فى ظل هذا الألم يتحدث المؤرخ عن مصر وتماثيلها وميماواتها وما بها من جمال، وكأن المشكلات الأخرى لا تعنيه، وإن كنا نتقبل ذلك من «البغدادى» لأنه رجل عابر مر على أرض مصر أراد أن يأخذ من كل شىء بنصيب، لكن أن يصبح أبوالهول حكاية جديدة على يد رجل دين، فهذا ما لا مجال له الآن.
أقول هذا بعد الضجة التى أحدثها الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق الذى خرج علينا ليضع احتمالا بأن يكون أبوالهول الرابض أمام الأهرامات هو صورة من النبى إدريس، حيث قال فى برنامج تليفزيونى يتحدث عن النبى إدريس: «يُقال إنه هرمس الهرامسة، أى حكيم الحكماء، ويقال فى الكتب القديمة ليس لها سند، إنه أبوالهول»، وبعد هذه الضجة وبالرجوع إلى المتخصصين لم نتوصل إلى رأى واحد فى أصل وفصل أبوالهول، فمنهم من ذهب إلى أن أبوالهول من الناحية التاريخية يجسد شخصية الملك خفرع الذى أخذ شكل الأسد ورأس الإنسان، بينما ذهب البعض إلى أن أصل كلمة أبوالهول ترجع إلى إله الشمس عند القدماء المصريين وهو «حور- إم- آخت» أى حورس فى الأفق.
السؤال: فى أى شىء كان يفكر المفتى السابق ليربط بين الأنبياء والتماثيل؟ ويثير هذه الحكاية فى مجتمع به من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ما به، ويحتاج أفكارا تدفع للأمام وليس للخلف، أو لو أردنا أن نجعل أبوالهول موضوعنا فليظل بالنسبة لنا حارس الأهرامات، ورمز الوسامة عند الفراعنة.