فى فبراير 2015، كتبت مقالا تحت عنوان «من يشرع فى مصر؟»، تساءلت فيه عن مستقبل التشريع المصرى والأخطاء التى نقع فيها يوميا فى عشرات القوانين والقرارات التى تصدر من الحكومة المصرية، والغرض الأساسى من المقال هو الوقوف على الخط السليم للدولة فى مسألة التشريع، ومع اقتراب انعقاد البرلمان وتوليه مسؤولية التشريع، وجب علىّ كمواطن يخاف على البلاد أن أعيد من جديد نشر المقال، بما تضمنه من مناقشة جادة لفكرة التشريع فى أحد أهم القوانين وهو قانون الانتخابات، خاصة أن جميعنا شاهد ما جاء بالقانون من عوار، وما ترتب على هذا العوار فى الانتخابات المصرية من ضعف فرصة الأحزاب السياسية فى الوصول للبرلمان، وعدم السيطرة على المال السياسى الذى تحكم بشكل كبير فى تشكيل البرلمان وأعضائه، فضلا عن فلسفة القانون الذى خرج للنور بناء عليها وهى «القائمة المغلقة»، والتى تبين فيما بعد فشلها وضررها على الدولة المصرية قبل الحياة السياسية المصرية. وإلى نص المقال..
بمرور الأيام تترسخ الحقيقة الأكيدة أننا، أفرادا ومؤسسات، لا نتعلم من أخطائنا، نكررها بنفس الأسلوب والطريقة ونضع أنفسنا فى نفس الخندق، رغم أن كل المشاهد التى نترقبها هى نفسها المشاهد التى طالما كتبنا وحذرنا منها. الخطأ السابق وقوعه قبل عامين من الآن، هو إصدار نص تشريعى معيب فى قانون الانتخابات البرلمانية، وعلى أساسه أجريت الانتخابات، وأنفقنا ملايين الجنيهات، وانعقد البرلمان 7 أشهر متواصلة، حتى صدر حكم من الدستورية العليا بحل البرلمان لبطلان القانون، وغضب الجميع يومها، وكانت النصائح بأن نتفادى أى خطأ مستقبلى ونعد قانونا جديدا، ومرت الأيام وقامت ثورة 30 يونيو، وبدأت البلاد تسير نحو طريق سياسى جديد وتكرر الحديث عن قانون انتخابات بلا عيوب، وبالفعل جلس الجميع ليتناقشوا، وبعد أيام طويلة خرج القانون للنور، ولكن للمفارقة الغريبة أن القانون شهد عيوبا تشريعية تهدد ببطلانه وفق التقرير الأخير لهيئة مفوضى المحكمة الدستورية نفسها. الغريب أن العيوب يعرفها غير المتخصصين قبل المتخصصين فى القانون، بمعنى أنها من البديهيات، فمثلا تطبيق عقوبة الغرامة 500 جنيه على المتخلفين عن الإدلاء بأصواتهم، لا أعرف لماذا تم إقرارها رغم أن الدستور نفسه يتضمن مادة ضد هذه المادة وهى أن الانتخاب حق وليس واجبا، بما يمنع تطبيق أى غرامة على أى مواطن، الجديد أن قانون تقسيم الدوائر أخل بالمبدأ الأصلى للقانون نفسه، فالأصل أن تقسيم الدوائر يكون بتناسب بين مساحة الدائرة وعدد سكانها ولكن ما جاء وفقا للقانون الصادر أن هناك تباينا وتفاوتا بين المساحة فى الدوائر والسكان، وبالتالى أصبح القانون عرضة للبطلان.
واللافت أن عددا من الأحزاب اعترضت عليه قبل إقراره ولكن لم تنصت الحكومة إليهم. المادة 25 من قانون مباشرة الحقوق السياسية كانت أيضا محل علامات استفهام، لماذا؟ لأنه تم تحديد 500 ألف جنيه كدعاية للمرشح الفردى، فى حين تحديد مليون جنيه دعاية لكل 15 مرشحا فى قائمة واحدة، وهو ما يتضمن عيبا دستوريا فى عدم المساواة بين المرشح الفردى ومرشحى القائمة الذين سيتضررون حتما.
المثير للجدل أنه رغم كل الملاحظات الأولية على القانون، ولكنه خرج معيبا، وهو ما يجعلنا الآن أمام سيناريو بتأجيل الانتخابات أو وقفها لحين تعديل القوانين، وهو ما يحمل معه دلالات خطيرة عن تأجيل الاستحقاق الأخير لخارطة الطريق وتعطيلها. نحن أمام مشهد تشريعى متخبط، صنعه البعض، بحسن نية أو بسوء النية، النتيجة النهائية أننا فى مأزق للمرة الثانية، وأننا وقعنا فى نفس الحفرة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود صالح
فوق القانون