حسنًا فعل الرئيس عبد الفتاح السيسى بتشكيله لجنة برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية ممثلين عن وزارات (التخطيط والمالية والداخلية والعدل)، والمستشار هشام بدوى، نائب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، لتقصى الحقائق ودراسة ما جاء فى التصريحات التى قالها المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، بشأن تجاوز تكلفة الفساد داخل مؤسسات الدولة 600 مليار جنيه خلال عام 2015.
ورغم أن جنينه تراجع عن تصريحه السابق، وعاد وقال إن الرقم المذكور يخص ثلاث سنوات فى الفترة ما بين 2012/ 2015 ، وليس عامًا واحدًا كما قال فى البداية، لكن من المهم جدًا أن تستمر هذه اللجنة التى شكلها الرئيس حتى تقوم بإعداد تقرير عاجل للعرض على الرئيس وإطلاع الرأى العام على نتائج أعمالها فى إطار من الشفافية الكاملة، لأن المبلغ الذى ذكره جنينة كبير جدًا وخطير فى مدلوله فى ذات الوقت، لأنه يشير إلى عدم وجود رغبة حقيقية لدى الدولة لمحاربة الفساد، وهو ما يتنافى مع ما سبق أن أكد جنينة فى تصريحاته ولقاءاته الإعلامية بأن الرئيس السيسى أول من تصدى للفساد وأصدر قرارات مهمة لمواجهة الفساد فى مؤسسات الدولة، فكيف لدولة تحاول أن تتصدى للفساد، أن يصل حجم الفساد فيها إلى 600 مليار جنيه، إلا إذا كانت الدولة فاشلة، وهل هذا هو المعنى الذى كان يريد أن يقوله هشام جنينة ليتلقفه البعض ممن يحاولون الأصطياد فى الماء العكر ويحاولون استغلال تصريحات جنينة لصنع حالة من الغضب لدى المصريين تستبق الاحتفال بـ25 يناير.. هل هذا ما كان يريده جنينة.
بالتأكيد لست مطلع على نية رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وحتى إن كانت نيته سليمة حينما خرج وقال تصريحه هذا، فكان الأجدى به أن يبلغ مؤسسات الدولة به قبل أن يعلنه على الملأ، لا أن يفاجئ الجميع بتصريحه، الذى يبدو أنه لا يتفق مع التقارير التى يرفعها الجهاز لرئاسة الجمهورية، وإلا ما كان الرئيس قرر تشكيل اللجنة التى تحاول التأكد مما قاله المستشار هشام حنينة، فإذا كان الرئيس لديه علم بهذا الحجم من الفساد لأعلنه هو بنفسه، لأن الرئيس لا يخشى أن يقول الحقيقة، لكن السؤال هو أين الحقيقة؟
وفقًا لما قاله المستشار هشام جنينة لـ"اليوم السابع"، فإن أعضاء الجهاز لا يكتفون برصد التجاوزات المالية المخالفة للقانون، وإنما يدونون عددًا من الملاحظات والتوصيات ويتم إرسالها مرة أخرى للمؤسسة المعنية، وينتظرون الرد عليهم، ثم يتم رفع كل التقارير فى نهاية العام لرئاسة الجمهورية لاتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه المخالفين، بهدف التصدى للفساد بقدر المتاح من قوانين.
ويحدد القانون رقم 144 لسنة 1988 المعدل بالقانون رقم 157 لسنة 1998 كل ما يتعلق بالمجلس من مهام والجهات الخاضعة لرقابته وكيفية عمل أعضائه، وتشكيله وكل صغيرة وكبيرة من عمل الجهاز الذى له دور فعال، بل إنه أحد الأركان الرئيسية لكشف المخالفات المالية فى المؤسسات والهيئات الحكومية وغيرها، ورصد هذه التجاوزات وإبلاغ رئاسة الجمهورية ومجلس النواب بها، كما دستور 2013 حينما تحدث عن الجهاز المركزى للمحاسبات ذكره فى ثلاث مواد، الأولى فى المادة 2015 والتى وضعت الجهاز ضمن الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية التى تتمتع بالشخصية الاعتبارية، والأستقلال الفنى والمالى والإدارى، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها.
أما المادة الثانية فى مادة (125) التى تقول إنه "يجب عرض الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة على مجلس النواب، خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية، ويعرض معه التقرير السنوى للجهاز المركزى للمحاسبات وملاحظاته على الحساب الختامى. ويتم التصويت على الحساب الختامى بابًا بابًا، ويصدر بقانون، وللمجلس أن يطلب من الجهاز المركزى للمحاسبات أية بيانات أو تقارير أخرى"، وتاتى المادة (219) لتؤكد " يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات الرقابة على أموال الدولة، والأشخاص الاعتبارية العامة، والجهات الأخرى التى يحددها القانون، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة، ومراجعة حساباتها الختامية".
كل هذه المواد تشير إلى مهام محددة للجهاز ليس من بينها بالطبع أن يختص بالتقارير لنفسه ويعلنه كيفما شاء رئيسه ، لأن هناك جهات لابد أن تكون على علم بهذه التقارير حتى تتحرك بناء عليها، لكن حينما يحدث خلاف ذلك فالموضوع يخرج عن الإطار الصحيح.