الذى سيقول كلمة حق فى وجه الظلم
هل سنجد نائبا برلمانيا واحدا بـ «مائة نائب»؟، سؤالى صدى لرأى قاله كاتبنا العظيم الراحل أحمد بهاء الدين: «هناك نائب برلمانى بمائة نائب».
كان ذهن «بهاء الدين» ينصرف إلى نواب عظام مثل الدكتور محمود القاضى، وممتاز نصار، وخالد محيى الدين، أبوالعز الحريرى، وقافلة أخرى من النواب اشتهروا فى سبعينيات القرن الماضى، وشكلوا معارضة جذرية لـ«السادات» فى سياساته الداخلية والخارجية، بلغت ذروتها فى رفضهم لاتفاقية كامب ديفيد عام 1979، مما أدى بالسادات إلى حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات جديدة، صمم فيها على إسقاط الذين عارضوا «كامب ديفيد»، وحدث ذلك بالفعل باستثناء ممتاز نصار الذى كان إسقاطه فى دائرة «البدارى» يعنى تحويل الدائرة إلى بركة دم.
كان عدد النواب الذين أجبروا السادات على حل مجلس الشعب 13 فقط، ولو طبقنا رأى «بهاء الدين» فإن عددهم مضروبا فى مائة سيكون 1300 نائب، بالطبع لم يكن هذا العدد صحيحا بحسابات الكم، لكنه صحيح بحسابات الكيف، وتحت هذا المعنى وجدنا نائبا بحجم محمود القاضى تهتز الحكومة كلها لاستجواباته، فهل سنرى فى مجلس النواب الحالى عينة من هؤلاء؟، هل سنرى نائبًا بمائة نائب؟.
النائب هيثم الحريرى، ابن النائب المناضل المحترم الراحل أبوالعز الحريرى، ينطبق عليه المثل «ابن الوز عوام»، وفى مؤتمر انتخابى بدمنهور لدعم مرشحين لمركز وبندر دمنهور قال: نريد نوابا يدافعون عن الشعب، واللى جاى بفلوسه هيشرع لحسابه مش لمصلحة البلد، والعبرة ليست بعدد نواب البرلمان، وإنما بالكفاءة»، وأضاف: «13 نائبا عارضوا اتفاقية كامب ديفيد، فأجبروا الرئيس الراحل أنور السادات على حل البرلمان».
من واقع كلام «هيثم الحريرى» نحمل أنفسنا إلى تفاؤل بنواب يفهمون دورهم الحقيقى مع الناس ومع الحكومة، نواب لا يدخلون المجلس بحسابات جنى ثمار شخصية أقلها حالة الأبهة والارتقاء الاجتماعى، وإنما يحملون هموم الناس بجد، وهموم مصر بحق، نواب يعيشون تحت جلد أبناء دوائرهم، فلا يستكبرون عليهم، ولا ينسون لحظة واحدة أنهم دخلوا البرلمان بفضل أصواتهم، وتلك معايير أولية فى مسألة «نائب بمائة نائب»، لكنها تحتاج إلى معايير أخرى ضرورية.
النائب الذى سيرفع شعار «كلمة حق فى وجه سلطان جائر» سيكون بمائة نائب، والذى يستطيع أن يكسر حاجز الصمت فى قضايا الفساد، والذى سيرفض مجاملة ونفاق الحكومة من أجل مكاسب شخصية، والذى سيفضح الوزير المنحرف والذى سيذاكر واجباته يوميا بالبحث عن حقيقة المعلومة، وصحة الرقم، ووجاهة الآراء، وطبخ كل هذا فى بيان عاجل يقدمه، أو طلب إحاطة أو استجواب أو سؤا ل بالطبع فإن إقالة حكومة أو وزير طبقا لضغوط برلمانية، يتم طبقا لخطوات ينص عليها الدستور والقوانين المعنية بذلك، وأهمها أن تكون هناك أغلبية تتوافق حول ذلك، وقد يكون هذا عائقا أمام تتويج معارك «النائب أبومائة نائب» بالنجاح، لكن النجاح الذى يتركه هذا النائب فى عمق المجتمع هو الأهم والأكثر تأثيرا على المدى الطويل، فكل تغيير سياسى إيجابى هو نتيجة لبذرة غرسها كثيرون، ومنهم الذين فهموا حقيقة دورهم البرلمانى المعبر عن الحق، فحين استجوب محمود القاضى الحكومة فى فساد الانفتاح الاقتصادى فى سبعينيات القرن الماضى، كان يرمى بذرة للثورة فى 25 يناير 2011، وحين رفض 13 نائبا اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، كانوا يقولون لنا إن ما نراه الآن من ضياع لفلسطين وتمزق العرب هو ما حذرنا منه فى رفضنا للاتفاقية،أمامنا حالة برلمانية لا نعرف فيها حتى الآن من سيكون أغلبية، ومن سيكون أقلية؟ ولهذا فقد نرى ركب الموالاة مزدحما بإفراط، لكن سيبقى املنا معلقاً على هذا النائب الذى هو بـ«مائة نائب»، فمن يكون؟.