«يامشرق الركب ع النبى طال النبات/ الورد فيه شوك فتح للرسول ونبات/ لما عجبنى الحال قلت للحجاج روحوا وأنا أبات/ تصرف جنيهك ع النبى يعوضه عليك أولوفات/ الحسنة تكتب بعشرة والمائة بألوفات/ تعيش على أرض سبعين وتنام فى التراب ألوفات/ ما تقوم تزور النبى والعمر ولى وفات».. هكذا يفهم الفنان القبطى الكبير مكرم المنياوى الوحدة الوطنية فيقول: «كنا بنقعد فى مولد «الفرغل» بأسيوط 4 أيام نمدح فى شخص الرسول، وكل يوم نقول مدائح نبوية جديدة غير التى قيلت فى اليوم السابق».
إنه مكرم المنياوى المزروع بالمحبة والذى يفعل ما لا يقدر على فعله المسؤولون ورجال الدين والمثقفون، فهو قادر على صناعة الوحدة بين القلوب فلا يختلف حوله مسلم أم مسيحى.. فعندما ينتظم الفرح الشعبى الذى ينتظره الجميع، ثم يقف مكرم المنياوى على «المسرح الشعبى» المنصوب ويبدأ الغناء ويختمه بمدح النبى محمد وآل بيته، يأتى السؤال الذى لا يمله الناس أبدا، ولا تفقد إجابته دهشتها: «هل مكرم المنياوى مسلم أم مسيحى؟».
وفى الناحية الأخرى عندما أبدع المنشد الدينى الشهير الشيخ أحمد التونى رائعته «الله محبة» التى يقول فيها «ضرب ناقوسى فى ديرى/ قوم تحركت الصلبان/ ولساكنى قلبى أكلمه كلمة/ يكلمنى الكلمة على كل لسان/ قاللى دا موسى وعيسى المسيح والأنبياء كلهم يهدوا إلى طريق الرحمن».. حينها تعرف بأن الله قد ألقى فى قلوب بعض عباده فهما أوسع للرحمة وحبًّا أكبر للبشر، وأن معظم المشكلات الداخلية لا أساس لها من الصحة.
وربما ما فعله صموئيل فاروق فى الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعى «ودا من حنانه لى» فى مدح عيسى عليه السلام، يحمل فى طياته أكثر من معنى، المعنى الأول أنه يؤكد أن الوعى الكامن داخل الشعب وفنونه من كون المدح الدينى للأنبياء هو طريق واحد متكامل يصل بالجميع إلى بر الأمان، والمعنى الثانى هو أن المراهنة على الفن تربح دائما، والمعنى الثالث هو أن الأغنية التى رددها «صموئيل» جاءت على الطريقة الإسلامية فى الغناء الدينى، الذى تقوم به الفرق المسلمة فى مدح النبى محمد، عليه السلام، بما يفتح الباب لصنع موسيقى شعبية واحدة، فليس لنا موسيقانا ولهم موسيقاهم، وربما هى طريق للخروج من «الترانيم الكنسية» إلى رحاب أوسع وأكبر ويصنع جمهورا جديدا، لأن الغناء داخل الكنائس وأماكن العبادة يعطى انطباعا بالرسمية، أما الوقوف فى الشارع تحت العيون الممتلئة بالبهجة والإيمان فيعطى انطباعا آخر بالحب والتواصل الأجمل.
فى تاريخنا الثقافى الشعبى وجوه كثيرة مضيئة تحمل رسائل كبرى، لكننا نتركها تمر مرور الكرام، فلا نقرأ هذه الرسائل بشكل جيد ولا نتوقف أمامها بما تستحق، ونستمع فقط لصوت العنف الذى هو صوت الشيطان.