فى قصيدته الشهيرة «هوامش على دفتر النكسة» يقول شاعر العربية الشهير نزار قبانى:
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقىُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التى ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والرباب
والآن وبعد ما يقرب من خمسين عاما على تلك النكسة التى كتب «قبانى» قصيدته فى ظلها، وبعد الخسائر التى تكبدناها على مدار عشرات السنين، وبعد مئات الشهداء ومئات الآلاف من الضحايا الذين يسقطون كل يوم فى طابور العيش أو فى طابور الدواء أو فى الشوارع، الآن يحق لنا أن نسأل أنفسنا: هل غادرنا منطق «العنتريات التى ما قتلت ذبابة»، وهل ابتكرنا آلية نضالية سوى «الطبلة والربابة»؟
للأسف الإجابة «لا»، ويؤسفنى أيضا أن أقول إن منطق الطلبة والربابة وأسلوب العنتريات تحول من آفة للحكام والمسؤولين إلى «أسلوب حياة» يمارسه الجميع، ناسين أن مبدأ التهويل والتضخيم سواء كان سلبيا أو إيجابيا مرض قاتل، يصيب المجتمع فى ليلة فنعانى منه بقية حياتنا، ومن لا يصدقنى فليطالع تصريحات المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات التى قال فيها إن حجم الفساد فى مصر وصل إلى ستمائة مليار جنيه، وفى الحقيقة فإن هذا الرقم الكبير جدا وتوقيت إلقائه على مسامع الناس كتلة واحدة هكذا، دون أن يظهر الجهاز أوراقا أو مستندات أو قرائن أو أدلة على هذا الرقم فإنه يعد من أكبر آفات أسلوب «العنتريات» الذى أصابنا بالتخلف.
نعم الفساد منتشر فى جميع أوصال الجهاز الإدارى للدولة، لكن حينما يصرح أكبر مسؤول فى أكبر مؤسسة رقابية بهذا الرقم فلا يجب أن نمرر هذا الأمر دون تدقيق، ولنا أيضا أن نتساءل: هل من واجب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أن يلقى بتصريح مفزع كهذا إلى وسائل الإعلام؟ أم أن واجبه أن يقدم المستندات التى تثبت ما يدعيه إلى القضاء ليعاقب المتسببين فى هذا الفساد؟ وهل يجب أن يلقى «جنينة» بهذا الرقم إلى الرأى العام دون أدلة تثبت كلامه ودون أن يحسب آثار هذا الخبر المهول على اقتصاد مصر وسمعتها خارجيا وداخليا؟ وهل وضع جنينة نفسه مكان أى مستثمر أجنبى يريد الاستثمار فى مصر واختبر تأثير تصريحاته على قرار هذا المستثمر؟
للأسف، أسف المستشار «هشام جنينة» بهذا التصريح أنه بعيد كل البعد عن مفهوم «رجل الدولة» الذى يعرف أن للدولة مؤسسات مسؤولة عن مراقبة الفساد ومعاقبة كل من يتورط فيه، ففى مصر تشريعات كثيرة لمحاربة الفساد والمفسدين، ولو كان لرئيس المركزى للمحاسبات اعتراض على هذه التشريعات فليجعل معركته من أجل تغييرها أو تعديلها، كما دعوت فى مقالات سابقة لإنشاء مفوضية عليا لمحاربة الفساد، لكن أن يطنطن بهذا الرقم ويلقيه على علاته هكذا، فهذا يعنى أننا عدنا إلى الجاهلية المؤسسية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mizooomizo
اسف اخالفك الراى
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور مصطفى فهمى
هشام جنينة يصدر تصريحات ممنهجة للأعلام لتكدير الأمن القومى و ليتلقفها الأخوان
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد منتصر المحامى
الى 1 : مواجهة مشاكلنا لا تكون بدس تصريحات غير مسؤلة و بدون أثباتات