حثَّ الإسلامُ الناسَ على العمل ورغَّب فيه، وأعلى من قيمته وعظَّم من شأنه، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِى مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، ونهى عن البطالة والكسل والخمول، فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِى الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
كما حثَّ النبى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على العمل، ونهى عن التقاعس والاتكال على الغير فقال فى الحديث الصحيح: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"؛ وذلك لما فى العمل من إعلاء لقيمة الفرد ودوره فى إعمار الأرض، وحماية للمسلم من أن يذل فى المعاصى، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: "إن الله خلق الأيدى لتعمل، فإن لم تجد فى الطاعة عملاً؛ وجدت فى المعصية أعمالاً".
ولم تكن الدعوة قاصرة على إلى العمل فحسب ، بل قُرنت بضرورة إتقان هذا العمل ، إذ إن الإتقان من أهم السمات الشخصية للمسلم الحق ؛ كما أن بين العمل والعبادة ارتباط وثيق ، فإذا أدى المسلم عمله على الوجه الأكمل ابتغاء مرضات الله تعالى نال الجزاء الأوفى ، سواء أكان عمله دنويًّا أو أخرويًّا، لقوله عز من قائل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}،فالإنسان حينما يؤدى عمله يكون قد أدّى رسالة ربه؛ لأن فى العمل تحقيقًا لدعوة الله عز وجل إلى الإعمار والإصلاح.
فإذا ما اجتمعت للفرد النية الصادقة للعمل والغاية النبيلة من وراء هذا العمل، واعتمد على الأسباب المشروعة وفقه الله لأداء رسالته ، فى كافة شئونه الدنيوية والأخروية لقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
ولقد اعتدنا فى نهاية كل عام أن نقدم كشف حساب لما أنجزناه فى العام المنصرم، انطلاقًا من إيمان دار الإفتاء بأهمية العمل والقيام به على أحسن وجه، ولقد عملنا فى هذا العام وفق استراتيجية محددة رُسمت معالمها من بداية العام، وكانت تهدف إلى قيامنا بدورنا المحلى والعالمى.
ففى هذا العام صدرت عن الدار ستمائة وثلاثون ألف فتوى اشتملت على كل ما يهم المسلم فى أمور حياته، وتم اعتماد دار الإفتاء كمرجعية للفتوى فى البرلمان الأوروبى فيما يخص الفتوى وقضاياها، لبلورة خطاب إفتائى رصين يلبى متطلبات المسلمين هناك، ويتصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا، كما أنشأت الدار مرصدين للتصدى للتطرف والإرهاب؛ الأول لرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية والرد عليها، والثانى لرصد ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ولأجل القضاء على فوضى الفتاوى عقدت الدار فى أغسطس مؤتمرًا عالميًّا للفتوى شاركت فيه وفود من كبار المفتين والعلماء والفقهاء من 50 دولة فى العالم للوصول إلى مجموعة من المبادرات والتوصيات التى تقضى على تلك الظاهرة، وتنفيذًا لتوصيات هذا المؤتمر تم تأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم فى ديسمبر بحضور أكثر من 30 مفتيًا من مختلف دول العالم، ومقرها القاهرة، تهدف إلى بناء استراتيجيات مشتركة بين دور الإفتاء الأعضاء لمواجهة التطرف فى الفتوى وصياغة المعالجات المهنية لمظاهر التشدد فى الإفتاء، ووضع معايير وضوابط لمهنة الإفتاء وكيفية إصدار الفتاوى تمهيدًا لإصدار دستور للإفتاء يلتـزم به المتصدرون للفتوى.
كما شهد هذا العام حضورًا لافتًا لدار الإفتاء فى المحافل الدولية، والتى كان فى مقدمتها الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبى، ومنتدى دافوس العالمى، والمفوضية الأوربية، واليونسكو، والبرلمان الدولى للأديان، ومراكز الأبحاث الدولية بالإضافة إلى المشاركة فى أكثر من ٣٢ مؤتمرًا دوليًّا حول العالم.
ولقد شهد هذا العام طفرة للدار فى الفضاء الإلكتروني؛ بحيث وصل عدد المشاركين على صفحات التواصل الاجتماعى التابعة لدار الإفتاء لأكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مشترك حول العالم، ومن خلال هذه الصفحات أطلقت الدار العديد من الحملات العالمية على الفضاء الإلكترونى باللغات الأجنبية لتوضيح الصورة الحضارية للإسلام والتى جذبت أكثر من 20 مليون متفاعل حول العالم.
ولإيمان دار الإفتاء بدورها الاجتماعى، وحرصها على وجود مجتمع أسرى صحى أطلقت هذا العام البرنامج التدريبى الثالث لإعداد وتأهيل المقبلين على الزواج، لتدعيم الشباب بالمعارف، والخبرات والمهارات اللازمة، لتكوين حياة زوجية وأسرية ناجحة، كما احتفلت الدار بتخريج الدفعة التاسعة من البرنامج التدريبى لتأهيل المبعوثين على الإفتاء، والذى استمر لمدة ثلاث سنوات، حيث تخرج ٢٤ مبعوثًا من جنسيات مختلفة من قارات العالم المختلفة.
كما أوفدت الدار هذا العام علماءها فى عدة حملات وقوافل إفتائية إلى الخارج شملت دول النمسا وهولندا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وسنغافورة وكازاخستان والبرتغال وإسبانيا وباكستان ودول غرب إفريقيا وأمريكا وجيبوتى والمغرب ولبنان والإمارات واليونان وغيرها من دول العالم.
وأصدرت الدار مجموعة من الإصدارات ساهمت فى بناء خطاب إفتائى رصين متصل بالأصل ومرتبط بالعصر يأتى فى مقدمتها موسوعة الفتاوى المهدية فى عشرين مجلد، وكتاب يؤرخ لمسيرة الفتوى بالديار المصرية ، وكتاب فقه الجندية ، كما أصدرت مجلتين إلكترونيتين الأولى باللغة الإنجليزية بعنوان "Insight" للرد على مجلة "دابق"، التى تصدرها "داعش"، والأخرى باللغة العربية بعنوان "إرهابيون"، لتفكيك الفكر المتطرف والعقائد الخطيرة التى تعتمدها الجماعات الإرهابية، كما أصدر مرصد الإفتاء كتابه الأول ضمن سلسلة إصداراته جاء بعنوان "تنظيم داعش .. النشأة والجرائم والمواجهة"، بالإضافة إلى الانتهاء من أول موسوعة إفتائية عن التكفير تضم تحليلاً لمسائل التكفير والفكر المتشدد وطرق المعالجة الفكرية لها.
هذا غيض من فيض، وقليل من كثير مما وفقنا الله إليه، وما عاهدناه للقيام به، سائلين الله تعالى أن يعيننا على أداء رسالة الدار التى أنشئت من أجلها.
• مستشار مفتى الجمهورية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الفار
هكذا النية
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الفار
هكذا النية
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف احمد
بارك الله لكم
ما شاء الله انجازات كثيرة ودور فعال
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد علي علي
واتقوا الله ويعلمكم الله
عدد الردود 0
بواسطة:
مريم
رسالة الدار التى أنشئت من أجلها
عدد الردود 0
بواسطة:
مريم
رسالة الدار التى أنشئت من أجلها
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد علي علي
الله الموفق
والله يسدد خطاكم إلى ما فيه خير الأمة
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
من نجاح الى نجاح
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الباري
ستمائة وثلاثون ألف فتوى
جيش جرار يعمل بجهد كبير
عدد الردود 0
بواسطة:
هند
القضاء على فوضى الفتاوى