فى 2015 كان افتتاح القناة وتقديم مصر نفسها للعالم فى مكان وأداء تسترد بهما مكانتها
ما بين بداية ونهاية ساعات قليلة وخمس سنوات كانتا نهاية حقبة تاريخية بما لها وما عليها، حقبة دخلت بنا فى سبات طويل وبداية حقبة أخرى ملتبسة فى أغلب حوادثها وأحداثها ومجرياتها، وطموحة ومتوهجة فى قليلها، ولكنها تبدو كمسافة بين قرنين. خمس سنوات بضوضائها وأضوائها وصخبها وبراكينها، زلزلت الأرض فيها، بمصر ومعظم الوطن العربى، واستهلكت احتياطى الأمل مثلما استهلكت أشياء أخرى، خمس سنوات كانت مصر فى مرمى نيران الإرهاب والتقسيم، وكل يوم على موعد لحضور شعائر الافتتاح لحروب جديدة أو قديمة متجددة. كل يوم نواجه الخسائر ومحاولات الانتصار تقاوم بعثرة الإرهاب والفساد والشهوات الشخصية ورسوخ الجهل والطموحات المرتجفة وانقلابات موازين القوى وجموح وجنون بشر فقدوا عقلهم أو كانوا لا يملكون من العقل شيئا. ساعات وتنتهى خمس سنوات عاصفة.. صاخبة.. عصية جامحة شاهدة على أفول معانى جميلة وأخرى ليس كمثلها قبح.
خمس سنوات تمددت فيها الطموحات، كما زرعت فيها حقولا من الشك، وبرغم سيئاتها وسؤاتها، وما فيها من خبث دولى بأهدافه ومؤمراته وسرطان إخوانى بتوحشه وشراسته وشعاره، وتكاثر شياطين الإرهاب بإرادة شهوانية وسخاء فى سفك الدماء، وإبداع فى الترويع والإساءة إلى الدين وتعدد جبهات الحروب التى تكالبت علينا خارجيا وداخليا وبرغم خطايا الإعلام وأوحاله وتوهج طاقات الاستنزاف بأيدينا أو بأيدى الكارهين، ورغم كل ذلك يبقى فى الخمس سنوات ما يستحق أن نتباهى به، والأهم أن نحمله معنا إلى العام الجديد والأعوام المقبلة نأخذ منه ونبنى عليه، ونبدع فى إعادة ميلاده أو اكتشافه لو أن لنا ذاكرة لغير التاريخ مجراه، فلنأخذ من 2011 الأمل والحلم والتوحد الذى قاد فعلا جماعيا أكد الاستعداد للتغيير على المستوى الشخصى، وشروق طموح إيجابى والمشاركة من أجل المجموع، ولنأخذ من 2012 قوة الرفض الإيجابية والممتلئة عافية وعنفوانا لتشويه الهوية والإحساس الجمعى العام الذى استطاع فرز الخيانة، وكشف وجوه الإرهاب وإدراك الفارق الكبير بين عصابة وبين دولة.
ولنأخذ من 2013 اكتمال الاستنارة وتوهج الإرادة والقدرة على المقاومة والرفض واللفظ لكل ما نمى خارج رحم الوطن وإجهاض محاولات ومؤامرات اغتصاب الوطن.
وفى 2013، وتحديدا فى 30 يوينو و3 يوليو كانت اللحظة الأروع، حيث الكل فى واحد واجتماع المجتمع والتيارات السياسية والفكرية وتحقيق فعلى لكلمة وحدة الصف، كان المجتمع المصرى صوتا واحدا وإحساسا واحدا، كان الوطن هو الهدف وهو العشق والمعشوق وجمالية العطاء الصارخ وبلاغة الحماس الهادر، لم يكن للأنا وجودا، وكان للوطن حضور وهاج، مخصوما منه الأنانية والوصولية والخيانة والسخرية، 30 يوينو و3 يوليو، كان الشعب يبتكر وسامة وطن وإبداع عشق.
ولنأخذ من 2014 لحظات الوعى السياسى فى صناعة المستقبل والثقة فى أن كل شخص هو فاعل وقادر وترجمت هذه المشاعر فى الإقبال على استفتاء الدستور، ثم انتخابات الرئاسة والإعداد التى تخلصت من السلبية واكتسبت الأداء المتحضر والرغبة والحماس بوعى وإدراك المشاركة فى صناعة المستقبل، المشاركة فى الاستفتاء على الدستور وفى انتخابات الرئاسة كانت اليقين على الإحساس بالمسؤولية، وبناء جسور الثقة وإرادة التفاؤل.
2014 قبلت فيها الدولة التحدى الاقتصادى والوعى بأن وجود مصلحة للناس سيكون فيها بالضرورة مصلحة للوطن، وستشارك بكامل دوافعها، وكانت فكرة طرح شهادات قناة السويس تؤكد هذا المعنى الذى ضرب رقما قياسيا ووقتا قياسيا وواقعية ترجمت حب الوطن فى وجود مصلحة مشتركة بينه وبين الناس، وليس عيبا ولا خطيئة أن تكون المصلحة أولوية أولى طالما كانت مشروعة، وكان مسار الدولة على موجة مصالح الناس واتجاهاتهم ومنافعهم، ولنأخذ فى 2015 مشهد افتتاح قناة السويس وتقديم مصر نفسها للعالم فى مكان وأداء تسترد بهما مكانتها وفى مشهد المؤتمر الاقتصادى الذى رأى العالم فيه مصر وحضر إليها، هذه اللحظات الرائعة المستخلصة من الخمس سنوات الأصعب هى جمل بدأت ولم تكتمل، ولكى نصنع المستقبل فى 2016 وما بعدها لابد أن ندرك هذه الجمل العظيمة واللحظات الرائعة ونكملها ونبنى منها وعليها لاكتمال المسارات وحتى لا يبقى تاريخنا القريب مجرد ومضات أو لحظات تتوهج ثم تخفت ثم ننسى.