حين أقول محررى الإسلام السياسى فبعض أولئك الآن يحتلون رؤساء تحرير لمحطات تليفزيونية كبيرة، وهم الآن ذوو نفوذ ويتحصلون على أموال ليست قليلة، بعض هؤلاء دخل بيتى واستقبلته استقبالا حسنا بعد إلحاح منه ليجرى معى حوارا، وبعد أن أنهيت الحوار معه خرجت لأوصله مسافة إلى الطريق العام، ثم اكتشف بعد عمله الحوار أنه يسرب منه كل يوم قطعة إلى إحدى الشخصيات من المحامين الذين تصدروا مشهد الإسلام السياسى فى التسعينيات، وما بعدها، لحد أنه كان يوظف أولئك المحررين لمصالحه وما يريده، وإلى حد أنه كان يصطنع الأخبار مع مدير مكتب لجريدة عربية كبرى فى مصر، وتكتب على أعمدة كبار يوميا، وهو ما أكسبه شهرة ونفوذا طاغيا. وتأخر نشر حوارى، وكلما سألت المحرر عن الحوار قال إنه يؤخره لوقت أهم وأفضل، بينما أرى كل يوم فى ذات الجريدة فصلا من الحوار تسرب لهذا المحامى لتكون تصريحات له، هنا اضطررت للذهاب إلى رئيس التحرير وكنت كلمت المحرر أننى سأكون فى جريدته فى الوقت المحدد، ولكنه لم يأت، بينما صارحت رئيس التحرير بأمر تسريب الحوار، فما كان منه إلا أن نادى مدير التحرير وسأله عن الحوار وأمره أن يكون منشورا على الفور، وبعد أن كدت أنهى حديثى المطول نسبيا مع رئيس التحرير ظهر على الشاشة محررنا الذى استضفته فى بيتى واستقبلته استقبالا حسنا وطيبا، ومشيت معه مجاملا حتى أوصلته إلى طريق الأمان، وكان وجهه بلا مشاعر تقريبا، وغادرت بعد أن وعدنى رئيس التحرير بنشر الحوار.
كنت أكتب مقالات لصحيفة عربية كبيرة لوقت طويل فى التسعينيات ونمررها من هنا من مكتب القاهرة، وكان مدير مكتبها وقتئذ وصديقه المحامى قد طلبا منى حوارا، وأن أذهب إلى المكتب لعمل ذلك الحوار، ورفضت أن أذهب بنفسى، وطلبت من يعمل الحوار معى أن يأتينى هو، وذلك لأن مدير المكتب كان يريد اصطناعى، كذلك المحامى، ولكننى رفضت، وبعد أن كنت أرسلت مقالا مهما بعنوان «مراجعة بعض المقولات السائدة داخل الحركة الإسلامية»، وتم إعداده للنشر فعلا، بيد أن مدير مكتب الصحيفة «رفعه»، وتوقف تعاملى مع تلك الصحيفة، رغم أنها كانت منفذا مهما لمثقفى مصر يطل على العالم العربى، ومن منظور نقدى للظاهرة الإسلامية.
بيد أن كتابا صدر لذلك المحامى ونشرته الصحيفة على خمس حلقات، ورددت على ما ورد بمقال واحد ولم يتم النشر، وكان هنا معرض الكتاب فى مصر، وعلمت أن مدير تحرير تلك الصحيفة ضيفا على المعرض، وأن المحامى سيكون هناك، وطلبت الكلمة وكنا مساء، وقلت لمدير تحرير تلك الجريدة: إنكم نشرتم خمس مقالات لديكم تعرض بعضها لى، ولما أوردت لكم ردا من مقال واحد لم تنشروه، وفوجئت أن المقال تم نشره فى اليوم التالى مباشرة. اتصل بى محرر من أولئكم، عرفت أنه كان يجرى مقابلاته وقت المراجعات مع بعض قيادى الحالة الإسلامية فى مكاتب أمن الدولة، فرددت عليه ورفضت التعامل معه، لأنه لا يجوز استغلال ضعف الإنسان فى الحصول على معلومات منه فى مكاتب المحققين.
وباع أحد أولئك المحررين الجماعة التى كان ينتمى إليها وعمل مع أروقة الأمن التى فتحت له أبوابا للعمل فى قنوات فضائية وصحفا مقربة منها، وفوجئت بعد الثورة فى مؤتمر كنت أعددته عن أوضاع المسجونين فى سجون مبارك أن هذا المحرر حضر المؤتمر، والتقى شخصيات تتاجر بملفها الحقوقى، وتمت استضافتى لأحد البرامج التى يعمل بها ذلك المحرر، وفوجئت أنه جاءنى بهذا الشخص المشبوه ليكون ضيفا معى، المحرر لم يظهر فى الصورة على الإطلاق، ولكنى فوجئت بالشخص نفسه، وكنت قد نسيت شكله يعرفنى بنفسه ويستميلنى بمعسول القول وحين عرفته رفضت الظهور معه، وربما يكون هناك بعض فصلات من مذكراتى عن تلك السيرة، بيد أن ما دفعنى للكتابة هو حسن ظنى ببعض محررى الإسلام السياسى المرتبطين بالأروقة أن يكونوا تعلموا شيئا أو نسوا، فإذا بى أجدهم كما هم لم يتغيروا ولم ينسوا.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد توفيق
عادي