الحرية حياة، والأمن وجود، الحرية هى صانعة الديمقراطية، والأمن هو صمام حمايتها، فالممارسة الديمقراطية، فى حرية اختيار الرئيس والبرلمان، يستحيل حدوثهما، دونما إتاحة أجواء آمنة للاقتراع، كما أن تنفيذ وحماية الإرادة الشعبية، تأتى بإجراءات أمنية، لكن عند حرب الوجود، قد يتقدم الأمن على الحرية، وعند بناء النظم المستقرة ديمقراطيًا، تزحف مساحات من الحرية على الأمن، لتُعلق مؤقتًا، بين حين وآخر.
عندما يسطع فى الأفق، تهديد ما على الأمن القومى للدولة، فالأمن خط أحمر فى الحفاظ على كيان الدولة، والحرية خط أحمر فى الحفاظ على الديمقراطية، فعند الوصول لذروة النضوج السياسى للدولة تجد تشابكا مدققا حدوده، فى علاقة الحرية بالأمن، حيث يحمى الأمن الديمقراطية، وتعضض الحرية من دور الأمن، وتمتن لمجهوداته.
فى مصر البعض يعانى من الاعوجاج فى المفاهيم، والتشنج فى تناول بعض الأمور، فتغيب الرؤية، ويزحف التطرف والانغلاق الفكرى، فالانحياز للحرية بلا ضوابط عته يصل أحيانًا للانحلال، الفكرى أو الأخلاقى، والجنوح للأمن العاصف بالحريات، جريمة، إذًا، كيف نرسخ للحرية المنضبطة، ونحظى بأمن حازم، فى غلاف إنسانى، لنتجنب الانحلال والجريمة معًا. فى اعتقادى أننا فى حاجة، لنضوج ثورى، تتلاشى معه، مظاهر الاعوجاج، فى تناول الحرية، وفى ضرورة ماسة، لترسيخ عقيدة أمنية، تقوم على الإيمان بمبادئ حقوق الإنسان، لنتلاشى التجاوزات، وتبقى فى معدلات أقل، حيث لا يوجد جهاز أمنى فى العالم، ليس به أى تجاوزات، ولكن التعويل على حجمها، حيث يتم حصرها فى أضيق نطاق، وفق آليات وكيانات رقابية داخلية، قوية وصارمة، ومن قبلها رقابة مجتمعية، لا تخاف ولا تتهاون، فى الحقوق والحريات.
فمنذ سقوط الإخوان والأجهزة الأمنية المصرية فى حالة مواجهة دامية، فى معركة بقاء، لا يمكن أن تكون نتيجتها سوى الانتصار على جماعات داعشية، جرذان الأرض الذين تداعوا على الأخضر واليابس، فى العراق وسوريا وليبيا وغيرها من دول المنطقة، ليسود البور، ويحل الخراب، أينما وجدوا، فمصر التى فى مرمى النيران صامدة، بتضحيات أبنائها، من رجال الشرطة، التى تحتاج لاحتضان شعبى، ودعم نفسى فى تلك المواجهة، بما يجسدون من بطولاتهم العظيمة، يعكر صفوها، بين حين وآخر، قصص التعذيب والموت هنا وهناك، فى أقسام الشرطة، والتى لا يجوز أن يكون لها محل، فى الصورة، صورة بناء مصر الجديدة الديمقراطية.
فأحد أهم أسباب اندلاع ثورة 25 يناير أن قُتل «خالد سعيد» و«سيد بلال» وغيرهما، من جراء التعذيب، والاستهانة فى إزهاق الأرواح، ليس بلا ضابط فحسب، وإنما بلا رحمة، إذًا لابد أن نرسم الحدود، بين الحرية والأمن، لتكون ضمانة، لعدم عودة الممارسات الأمنية القديمة، وفى نفس الوقت، بما يحافظ على أمن وتماسك الدولة، ولتجنب المساس بالصورة الذهنية، عن جهاز الشرطة، فيما بعد ثورتى يناير ويونيو، واستدعاء الصورة القديمة وتصديرها، بالذات ممن يصطادون فى الماء العكر، من الإخوان وأتباعهم، من متشدقى حقوق الإرهاب، أبواق الأمريكان وأردوغان وابن موزة، والذين يتغافلون الإجراءات الأمنية التى يتخذها الغرب، فيها تعطيل مؤقت لبعض الحريات، عندما يبزغ ما يهدد الأمن القومى لتلك الدول، فهنا يتقدم الأمن، فيحصد مساحة الأولوية على الحرية.
إذًا لا لحرية تتهاون فى الأمن، ولا لأمن يعصف بالحريات، نعم لتصحيح مفاهيم الحرية بعيدًا عن خزعبلات بعض المنظمات الممولة أجنبيًا، ونعم لتدعيم الأجهزة الأمنية، وفق مبادئ حقوق الإنسان، فاحترام الحرية تدعيم للأمن، وتقوية الأجهزة الأمنية واجب وطنى، وحماية للحقوق والحريات.
عاش الشعب والجيش والشرطة إيد واحدة.