حصدت الأحزاب 239 نائبًا فى انتخابات مجلس النواب، بنسبة %43.1، وهى نسبة تعطى فى مدلولها الرقمى أن هناك قطاعًا يقترب من نصف من أدولوا بأصواتهم، اختاروا مرشحيهم على أساس حزبى، وقد يترتب على ذلك تصورات متفائلة بأننا نقطع الشوط نحو حياة حزبية ستشهد نشاطًا فى المرحلة المقبلة، وأن التنافس الحزبى فى الانتخابات سيكون من علامات هذا النشاط.
وحتى لا نكون مثل هؤلاء الذين يقيسون دلالات الرفاهية والتقدم بعدد من يستخدمون التليفون المحمول «كان أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطنى ورجل نظام مبارك القوى يردد هذا القياس»، نقول إن حصول الأحزاب على 239 مقعدًا يمكن أن نتعامل معه بجدية فى رصد تقدم الحياة الحزبية فى حالة واحدة، هى أن الناخبين ذهبوا إلى صناديق الانتخابات ليعطوا أصواتهم بالفعل لمرشحين حزبيين، يحملون برامج حزبية قدموها إلى ناخبيهم، وأداروا حولها مناقشات حقيقية أسفرت فى النهاية على أن التصويت كان للحزب وبرنامجه، وليس للمرشح بعائلته أو شهرته أو نفوذه المستند على جهاز ما فى الدولة.
رأينا فى الانتخابات مرشحين انضموا إلى أحزاب وقت التقدم بأوراق الترشح، بينما لم يفكر هؤلاء لحظة واحدة قبل ذلك فى الانضمام إلى أى حزب، أى أن الانضمام كان بالقطعة، وبمثابة تعاقد على «اللعب الحزبى» لفترة معينة، وحدث هذا فى كل الأحزاب تقريبًا، ومما هو شائع أن مندوبين لأحزاب كانوا يلتقطون مرشحين من أمام مقرات استقبال أوراق المرشحين، ويقدمون لهم إغراءات، وفيما كان يحدث ذلك رأينا مرشحين هم قيادات فى أحزابهم، لكنهم فضلوا خوض المعركة الانتخابية كمستقلين.
وحاصل جمع كل ذلك أننا كنا أمام انتخابات بالغة الفقر السياسى، وبالغة الثراء فى انتقال ولاءات المرشحين من حزب إلى آخر، وشاهدة على مفارقة إنكار الانتماء الحزبى بتصور أن هذا الإنكار سيؤدى إلى مزيد من الأصوات، مما أفقد الأحزاب فرصة جذب أعضاء جدد، فكيف يفكر أى شخص فى الانضمام لحزب، بينما يرى مرشحين ينتمون لهذا الحزب لكنهم لا يخوضون معركتهم الانتخابية باسمه؟!
نعم يتحمل النظام الانتخابى «الفردى» المسؤولية الأكبر فى تعميق مسخرة الانتخابات فى مصر، فهو النظام الذى أدى إلى حالة التنكر الحزبى، وحالة الخطف الحزبى، هو نظام لا يمكن له أن «يهندس» الحياة السياسية فى مصر بخيال ملهم، ويسد أى فرصة لنمو الأحزاب، كما أنه دليل على أن هناك رغبة فى إبعاد المصريين عن المشاركة السياسية، بدليل أننا لم نرَ انزعاجًا من تدنى نسبة المشاركة فى الانتخابات، والتى بلغت %28، أى تصويت 15 مليونًا من أصل 53 مليونًا يحق لهم التصويت، والمصيبة أن هناك من برر هذا بعد تدنى نسبة المشاركة فى المرحلة الأولى «%26» بالقول: «هذه النسبة تأتى وفقًا للمعايير العالمية»، وبعدها بأيام كانت نسبة المشاركة فى الانتخابات التركية %87، وفى انتخابات عام 2012 شهدت مصر أعظم مشاركة «%62».
عبث المشهد الانتخابى يكتمل بما قاله الدكتور سيد البدوى، رئيس حزب الوفد، من اتهامات لحزب المصريين الأحرار بأن 8 نواب نجحوا على قوائمه وهم فى الأصل وفديون، و7 على قوائم حزب مستقبل وطن، أى أن هناك 15 نائبًا وفديًا لن يجلسوا تحت قبة البرلمان تحت يافطة حزب الوفد، ويعبر هذا الكلام عن عمق مأساة حياتنا السياسية، فالذين خرجوا من «الوفد» إلى «المصريين الأحرار» و«مستقبل وطن» لم يخرجوا لخلافات حول رؤى سياسية، أو تفضيل برنامج سياسى على آخر، وإنما هو خروج يعود إلى توفر إمكانيات الدعاية والنفقات الانتخابية فى الحزبين أكثر مما هى متوفرة فى حزب الوفد، وهذا جانب أساسى تحكم فى مسار العملية الانتخابية كلها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة