بلبلة كبيرة أحدثها الدكتور يوسف زيدان زيدان بتصريحاته عن القدس والادعاء بأنها لا تنتمى للإسلام وإنما تنتمى لليهودية وأن اسمها فى الأساس «عبرانى» وأن المسجد الأقصى غير موجود بالقدس وإنما موجود بجوار الطائف بأراضى الحجاز، وفى الحقيقة فإننى أجد أن هذا النقاش فى مجمله «مفيد» لأنه يحرك المياه الراكدة فى تاريخ الإسلام ويبدد تلك الأساطير التى صنعها البعض حول بعض المؤرخين الذين كتبوا تاريخ الإسلام وأكسبوهم قداسة لم يدعوها لأنفسهم، لكن برغم بعض الجوانب الإيجابية فى المسألة فإنه للأسف هناك أيضا العديد من الأمور السلبية فى وجهة نظر زيدان يجب أن نتوقف أمامها وأن نثير بعض الأسئلة حولها، خاصة أن زيدان «يلعب» فى منطقة شائكة، يمتزج فيها التاريخى بالدينى، والماضى بالحاضر والسياسة بالمستقبل.
أول الأشياء التى يجب أن نتوقف أمامها هو أن زيدان يتعامل مع المصادر التاريخية الإسلامية بكثير من الشك - وهو بالمناسبة شك فى محله – لكنه فى ذات الوقت يتعامل مع المصادر العبرانية وكأنها وحى منزل وهو الأمر الغريب بل والمريب، وإذا أضفنا إلى هذا موقف زيدان «سياسيا» من إسرائيل والتطبيع معها صارت الريبة أكبر، كما أننا تعلمنا من التاريخ أنه لا يجوز لنا أن نستخدم لغة «الجزم» خاصة فيما يتعلق بالبحث عن الأحداث التاريخية المتعلقة بالدين، فلا يجوز «علميا» أن نربط واقعا بماض متقلب قد يصبح بعد يوم أو يومين أشد تقلبا إذا ما ظهر اكتشاف أثرى جديد!
أما ادعاؤه بأن المسجد الأقصى المذكور فى القرآن ليس هو المسجد الأقصى الموجود فى القدس، فهو قول حق يراد به «ما يراد» فلا المسجد الأقصى الموجود فى القرآن هو المسجد الأقصى الموجود فى القدس الآن، ولا حتى المسجد الحرام الموجود فى القرآن هو المسجد الحرام الموجود الآن ولا المسجد النبوى الموجود فى القرآن هو المسجد النبوى الموجود الآن، وكل الإشارات الدينية إلى هذه المساجد تشير فى الأساس إلى «الموقع» وليس شكل البناية الذى يتعرض للهدم وإعادة البناء والتوسيع والتغيير، فكلمة «مسجد» فى الدين الإسلامى لا تشير إلى المنشأة وإنما تشير إلى الموضع، وليس أدل على هذا من قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا» وبالمناسبة فمسألة الإشارة إلى الموقع وليس المنشأة لا ينفرد بها التاريخ الإسلامى فحسب، فاليهود أنفسهم يفتشون الآن عن موقع «هيكل سليمان» المزعوم محاولين إحياؤه وهو تفتيش عن «موقع» فى نهاية الأمر، فحتى كنيسة القيامة التى تعد أهم وأقدس منشأة مسيحية أنشئت بناء على «حلم» الإمبراطورة «هيلانه» أم الأمبراطور قسطنطين أشار الملائكة فيه إلى موضع صليب المسيح بعد أكثر من ثلاثة قرون على اختفائه، وبنفس الآلية بنيت المئات من المنشآت الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة