حسنًا.. حانت لحظة الاعتراف، حالة «النوستالجيا الثمانينياتى والتسعينياتى» تخرج عن قضبانها وتتوحش، وتتوغل وتنتشر وتتسرب، التسعينيات بأجوائها تطاردك فى كل «سنتيمتر» من حياتك، لم يعد الأمر مقصورا على صورة قديمة، أو إعلان يتجرع حنين الماضى، أو برامج تستدعى زمنًا فات.. الأجواء الآن غلاف من الحنين إلى الماضى القريب بكل تفاصيله الهادئة.
فى هذا الحنين سم قاتل، تذوقه على مهل، حن إليه بتعقل، استدع ما تشاء من ذكريات، ولا تستدعى الزمن ذاته، فى استدعاء الزمن ذاته خسارة فادحة، هم يريدونها وأنت ستعانى إن تحقق مرادهم، لأن فى العودة للوراء إعادة إلى سيرتك القديمة، سيرة المواطن السائر فى ظل «الحيط»، حيث كانت أبرز معارك الشعب متابعة تفاصيل صفقة انتقال رضا عبدالعال إلى الأهلى.
فى تعريفهم للنوستالجيا يقولون إنه مصطلح يونانى يشير إلى ألم المريض بسبب الرغبة فى العودة إلى بيته وموطنه، ولاحقًا تطور المصطلح ليصبح مجرد تعبير عن حالة مرضية، وشكل من أشكال الاكتئاب. الخوف من أحداث الحاضر المضطربة، وغياب نمط الاستقرار الذى اعتاده البعض، يجعلان من الهروب إلى الماضى خيارًا نفسيًا أوليًا للراغبين فى اتقاء تبعات العيش فى الحاضر، والتخوف من المستقبل.
فكرة استدعاء الماضى تنتشر بسبب أجواء الحاضر الذى نعيشه، رغبة مشتركة بين رموز تريد استعادة مجد نظام سابق سيطر على وطن لا يتكلم، وبين مواطنين أصابهم الملل من الوضع، فقرروا أن يبحثوا عن ضالتهم فى ذكريات ليست بعيدة، وشركات دعاية ووسائل إعلام تتكاسل عن الابتكار باجترار الماضى فى إعلانات الحاضر.
الناس فجأة وجدوا أنفسهم عادوا إلى عصر يمدح فيه الإعلام الرئيس دون توقف، وسياسيون يصفون المعارضين بالعملاء والخونة، وخبراء استراتيجيون يتحدثون عن المؤامرات الكبرى، وشرطة تعود إلى سيرتها الأولى فى تسجيل معدلات متزايدة من التجاوزات، هذه الحالة شكلت رجوعًا إلى الخلف فى وطن ظن أن الثورة ستأخذه إلى الأمام، فقرر الجميع نفسيًا العودة إلى أشد فترات الماضى القريب استقرارًا وهدوءًا.. التسعينيات!
الكل دون أن يدرى قرر العودة إلى التسعينيات، بعضهم ذهب إليها دون وعى، وآخرون ذهبوا إليها اشتياقًا، بينما فئة ثالثة تذهب إليها متعمدة تحقيقًا لمصالح، ورغبة فى إعادة المشهد القديم للشعب الساكن والصامت فى مواجهة الدولة الفاعلة المتحكمة.
كل المشهد التسعينياتى يتجلى أمامك الآن بتفاصيله الفكرية والرياضية والفنية والإعلانية والحكومية لتهيئة الأجواء للهدف الأهم.. عودة الدولة إلى سيرتها الأولى. كل المشهد التسعينياتى يتجلى أمامك بمعاركه التلفزيونية عن البخارى والحجاب وعذاب القبر وتقسيم تورتة البرلمان وبدلا من إعلانات تخلق طموحا جديدا لوصول مصر إلى كأس العالم يغرقون بك فى بئر ذكريات مجدى عبدالغنى بهدفه الوحيد فى إيطاليا 1990، هذه الأجواء شرنقة تحاصرك وتجعل أقصى أمنياتك الحلم بعودة الماضى الهادئ.. احذر وجبة النوستالجيا لأن حلاوة حنينها يحتوى على سم قاتل.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سوسو
النظر الي المستقبل