لا يصح أن تمر حادثة ضبط رئيس قطاع بالجهاز المركزى للمحاسبات متلبسا بتقاضى رشوة مائة ألف جنيه مرور الكرام، ليس فقط لأن الجهاز هو الأكبر والأهم بين الأجهزة الرقابية فى مصر فقط، ولكن لما تمثله الواقعة من شرخ كبير فى مصداقية الجهاز، ومدى ملاءمته بصورته الحالية للمهام المنوطة به فى مكافحة الفساد المستشرى فى مؤسسات الدولة ،فإذا كان الجهاز لا يدرى بالفاسدين داخله ولا يستطيع مواجهة الفاسدين داخل أروقته، فكيف يمكن أن يواجه الفساد فى المؤسسات الأخرى.
الموظف المضبوط ليس مجرد موظف صغير، تم القبض عليه بالصدفة وهو يتلقى رشوة تافهة.
وإنما المضبوط هو رئيس قطاع الأمانة العامة بالجهاز وهو على درجة وكيل وزارة، وتم القبض عليه وإحالته للنيابة للتحقيق وهو يتقاضى مائة ألف جنيه من إحدى جمعيات الإسكان، فهل هى الحادثة الوحيدة فى تاريخ هذا الكادر الكبير فى الجهاز؟ وهل تم اكتشاف القضية فقط لأن الجهاز وموظفيه أصبحوا هم أيضا تحت رقابة أجهزة رقابية أخرى؟
رد الفعل الذى صدر عن الجهاز ورئيسه، أكثر ما يقلقنى فى هذا الأمر، فالبيان الهزيل الصادر عن الجهاز لا يرقى إلى مستوى الحدث.مجرد بيان مقتضب عن متابعة تفاصيل الحادث مع جهات التحقيق المعنية على أن يصدر بيان شامل عند توافر المعلومات. ده اسمه كلام يا سيادة المستشار هشام جنينة؟
أين مؤتمراتك الصحفية؟ أين تصريحاتك العنترية؟ أين رفع حالة الطوارئ وإعلام الجميع بتفاصيل ما لديك من معلومات أولا بأول، عملا بمبدأ الشفافية التى تنادى به وتطالب جميع المؤسسات بانتهاجه؟
المتوقع منك يا سيادة المستشار أن تعقد خلية أزمة وأن تسأل الأجهزة المعنية عن جميع الحالات المشابهة فى جهازك، وأن تبدأ فورا عملية التطهير الضرورية للجهاز الذى تقوده، حتى لا يظل مشروخا ومضروبا بالفساد، وحتى تستطيع أداء دورك الرقابى بشكل كامل.ألم تصرح سابقا يا سيادة المستشار بأن إصلاح المؤسسات فى مصر يبدأ بالمركزى للمحاسبات عن طريق اكتشاف الأخطاء وتصويبها؟ ألست أنت القائل إن جميع موظفى الجهاز هم فريق واحد، وإنهم لابد وأن يكونوا جميعا قدوة لغيرهم من موظفى الدولة؟ فما بالك مستكينا متباطئا والنار تشتعل فى بيتك؟
ما بالك هادئا، وأحد الأفراد البارزين فى فريقك قد أخل بالعهد وحاد عن الطريق القويم؟ أهذا وقت الهدوء والبرود والتباطؤ فى اتخاذ القرارات، أم وقت الاستنفار وسد الثغرات فى المركب حتى لا يتعرض للغرق؟
نعلم أن الجهاز المركزى للمحاسبات مليئ بالشرفاء الغيورين على مصلحة الوطن، والذين يسهرون الليل يصلونه بالنهار لمواجهة الفاسدين الكبار والصغار وما أكثرهم، بعد أن تداعوا لعقود على جسد البلد ينهشونه وينهبون ثرواته وخيراته.ومن أجل هؤلاء الشرفاء والمجتهدين والمقاتلين المدافعين عن حقوقنا، نطالبك يا سيادة المستشار بتطهير الجهاز الرقابى العريق من أى فاسد يمكن أن يلطخ الثوب الناصع، ويشوه مآثر الجهاز الرقابى العريق.