تحدث الثورة عندما تتوحد وتتوافق وتتكامل الظروف الموضوعية مع الظروف الذاتية، والظروف الموضوعية هى إحساس الجماهير بكم الظلم وقدر الفساد الجاسم فوق الصدور وسيطرة قوى الاستبداد والاستغلال على مقدرات الوطن. يتعمق الظرف الموضوعى عندما يشعر المواطن بأنه قد أصبح غريباً فى وطنه يعمل لصالح غيره عندما يسقط القانون ولا يطبق على القادر والواصل والمتزلف للسطلة والمحمى بها. عندما تعمل السلطة ويسعى النظام لصالح نفسه ولمصلحة أتباعه ومريديه وزبانيته مسقطاً صالح ومصالح الجماهير من حساباته، أما الظروف الذاتية فهى وجود وتواجد التنظيم الثورى الراصد للواقع الذى يملك أجندة ثورية للتغيير الذى يمتلك أدواته التنظيمية فى الشارع التى تجعله متواصلاً مع الجماهير وقائداً لها، هنا يحدث التكامل بين الطرفين فيتم إسقاط السلطة الحاكمة، بهدف تحقيق مبادئ الثورة على أرض الواقع حتى يتم تغيير هذا الواقع تغييراً جذرياً للأحسن ولصالح الجماهير وقود الثورة وصاحبة الوطن.
وعلى ذلك فما حدث فى 25 يناير 2011 هو هبة جماهيرية رائعة نتيجة لنضج الظرف الموضوعى الذى أحسه المواطن فى مجمل حياته والذى جسده عملية تزوير انتخابات 2010. كما أن ممارسات شرطة العادلى الأمنية والقمعية التى كانت لا تسعى لغير حماية النظام القمعى واستمراره لصالح التوريث كانت هى الشرارة التى فجرت هبة يناير، ولكن لم يكن فى يناير لا تنظيم ثورى، ولم يتم الاتفاق على أجندة ثورية أو بديلاً ثورياً للسلطة، حيث إن الهبة لم تكن تهدف فى البداية إلى إسقاط النظام وتحقيق الثورة، وإن كانت الظروف تصاعدت بطريقة قدرية حتى سقط مبارك، ولكن مع غياب البديل الثورى، ولذا كان من الطبيعى أن يحتوى الإخوان المشهد السياسى، ويسيطرون على النخبة التى لم ترَ غير مصلحتها الذاتية، وتُختطف الهبة، وتتم السيطرة على الوطن فى غيبة التنظيم الثورى، ولذا كان طبيعياً أن تحسم المواقف لصالح مطالب الشعب وتجاوباً مع الظروف الموضوعية، ولذا كانت القوات المسلحة هى البديل الثورى فى هبتى يناير ويونيو بإسقاط مبارك والإخوان، إذاً فالهبة الجماهيرية هى تعبير جماهيرى عن واقع مرفوض لا تحدث ثورة لغياب البديل، كما أن الثورات ليست سلعة تطلب عند اللزوم مع تحديد الزمان والمكان فهذه هى المراهقة السياسية، وطلب الثورة على مدار الساعة فهذه ليست ثورة ولا علاقة لها بالعمل السياسى والنضالى.
أما إذا كانت الظروف الموضوعية ما زال يكتنفها المشاكل وتحيطها التحديات الشىء الذى يعانى منه المواطن الذى لم يجد تجسيدا حقيقيا للعدالة الاجتماعية، فالجميع يعترف بذلك علانية خاصة فيما يخص تفشى الفساد على مجمل الحياة نتيجة لتراكم المشاكل وتعدد القضايا دون حل، نعم هناك ممارسات للشرطة لا يجب تركها أو تبريرها بأى صورة ولأى سبب، مع العلم أن دور الشرطة الوطنى وما تقدمه من شهداء لا ينكره وطنى كما أنهم لا يجب أن يكون ذلك مبرراً لتلك الممارسات المرفوضة التى يتم استغلالها أسوأ استغلال من الذين يريدون هدم الوطن، لذا فإن كل ما يتردد فى ذكرى يناير للدعوة لقيام ثورة فهذا لا علاقة له بالثورة، ولكنه الفوضى الحقيقة التى لن تبقى ولن تذر، هذه الفوضى التى يسعى إليها من لا يعنيهم الوطن ومن لا يعرفون الانتماء إليه، فالظروف الحالية مع وجود ممارسات مرفوضة تحتاج لعمل سياسى فى الشارع لتقوية الأحزاب ولتكوين جماعات ضغط فى الإطار السياسى، وعلى النظام التوافق مع الجماهير، للقضاء على الفساد، فلاسلامة للوطن غير إرثاء العدل وحفظ الكرامة وتطبيق القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية، حتى تظل مصر وطناً لكل المصريين.