لحظة رحيله كاشفة للأزمة السورية
شاهدت صورة للصديق الراحل الكاتب الصحفى عادل الجوجرى على إحدى صفحات الـ«فيس بوك» فأعادتنى إلى أيام كانت معه، وإلى لحظة وفاته فى يوليو 2012، أيامى معه بدأت منذ أن عملنا سويا فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى بمركز صاعد، ولحظة رحيله هى نفس اللحظة التى كانت المخططات الشريرة تفعل فعلها أملا فى كتابة شهادة وفاة سوريا.
كنت فى بداياتى الصحفية، وكان هو يكبرنى بسنوات، ومنه تعلمت الكثير من فن الكتابة الصحفية والتقاط الفكرة، حيث كان مشهودا له بتميزه وموهبته، أما لحظة رحيله فهى حاضرة طالما بقيت الأزمة السورية على حالها.
وإذا كان «عادل الجوجرى» يستحق الكتابة عنه فى أى وقت خاصة ممن عرفوه عن قرب، فإن صورته التى شاهدتها على الـ«فيس بوك» وكانت بمناسبة مولده (5 ديسمبر1956) كانت مفتتحا خاصا لى للكتابة عنه فى هذا التوقيت، فبعد نظرة منى إلى عينيه، شعرت وكأنه ينادينى، فضغطت فورا على مفاتيح البحث عنه فى المواقع الإلكترونية كى أسمع صوته، كان تصرفى دالا على حالة اندفاع قوية نحو الحنين إلى الماضى، بما فيه من أصدقاء آخرين، جمعتهم مسيرة النضال من أجل وطن عادل ورحيم بأبنائه البسطاء، وهؤلاء الأصدقاء هم الآن ملء السمع والبصر فى الصحافة والسياسة والفكر.
وجدت الفيديو الشائع على المواقع الإلكترونية لـ«عادل»، هذا الذى فاضت فيه روحه فجأة وبلا وعكات صحية مسبقة، كان على الهواء مباشرة على إحدى القنوات الفضائية، فى برنامج مواجهة مع ضيف آخر حول ما سمى وقتها بـ«الثورة السورية»، كان معظمنا وقتها يميل إلى تصديق أن ما يحدث فى سوريا هو ثورة بالفعل، وأنها تقترب من النصر لتنضم إلى ثورتنا فى مصر وقبلها ثورة تونس، بينما وقف عادل فى الجبهة الأخرى، منبها أن الأمر فى سوريا مختلف، وأن ما يحدث فيها ليس ثورة، والقصة كلها لعبة دولية متنمرة بالأرض السورية، وأن الصورة يجب قراءتها فى ضوء الثأر الذى تسعى جماعة الإخوان لأخذه من النظام السورى، بعد المواجهات الدامية معه فى حمص وحماة فى بداية ثمانينيات القرن الماضى وقت أن كان حافظ الأسد رئيسا، كان عادل يعلن رأيه بقوة دون أن يلتفت إلى اتهامات من نوع «العمالة لبشار الأسد»، فنضاله كناصرى عروبى كان معروفا، وبينما كان يلف ويدور دفاعا عن رأيه، كانت قناة الجزيرة القطرية تشغلنا بالفيديوهات التى يبدو منها أن الزحف الجماهيرى يتصاعد فى المحافظات السورية ضد بشار ونظامه، وفى لحظة إفاقة من هذا الوهم الكبير اتضح أن هذه الفيديوهات مفبركة، وتقوم «الجزيرة» بتصنيعها فى استديوهات خاصة فى باريس، شىء أشبه بنهجها مع مصر بعد ثورة 30 يونيو، بلع الكثير منا طعم «الجزيرة» حول سوريا، ولم ننتبه بما فيه الكفاية إلى أن جماعة الإخوان تفعل فعلها القذر فى تقطيع الأرض السورية، ولما عبر محمد مرسى وقت أن كان رئيسا عن هذا فى المؤتمر الذى حضره مع جماعاته الإرهابية فى استاد القاهرة ظهر كل شىء على حقيقته، رحل عادل الجوجرى قبل أن تظهر «داعش» وتظهر «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» و«جيش الفتح»، وكل الجماعات التكفيرية والإرهابية الأخرى التى شجعتها ومولتها القوى الدولية والإقليمية وبعض الدول العربية، ودخلت سوريا عبر تركيا، لتقوم بالمهمة التى حذر منها وهى القضاء على سوريا ليس بصورتها التى كانت عليها وفقط، وإنما بالإجهاز عليها كبلد هو مع مصر رمانة الميزان فى المنطقة العربية على مر التاريخ.
قال عادل تحذيره ورحل، لكن ما تعجبت له هو تعليقات «الإخوان» على حالة وفاته، فالغل كان يطغى عليها، والسبب أنه فضح مخططهم، فتحية إليه، وشكرا للصورة والمناسبة التى حرضتنى على البحث عنه فى فضاء العالم الافتراضى، ولا أقول عالمنا الحقيقى لأنه مازال بيننا حتى لو رحل بجسده.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة