د. محمد على يوسف

«لعلك ترضى»

الأربعاء، 09 ديسمبر 2015 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العجيب أن هذه الجملة قالها الله سبحانه لنبيه، صلى الله عليه وسلم، كنتيجة لأعمال وأقوال يفترض أن المرء يفعلها ليستجلب رضا الله وليس ليرضى نفسه، لكنه كريم سبحانه، «لعلك ترضى».. أنت الذى سترضى! سيرضيك الله إن بذلت ما فى وسعك لترضيه، إن صبرت وَسَبَّحْت بحمده فى كل وقت وعلى كل حال، إن داومت على ذكره وشكره آناء الليل وأطراف النهار «فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى» (سورة طه) موطن العجب فى هذه الجملة التى عنونت بها للمقال يكمن ببساطة فى محل الاسترضاء، فليس العجيب أن يسعى الأدنى لإرضاء الأعلى، أو أن يتبين دوما هل حقق هذا الرضا أم لا؟ الابن يطلب رضا والديه والمرؤوس يطلب رضا رئيسه وليس العكس، أما أن يسأل الأعلى من هو أدنى منه عن رضاه ويريد له أن يكون راضيا فهذا ما يعجب له العقل ويذوب القلب تأثرا به.

حين يسأل المولى أهل جنته فيقول لهم: يا أهل الجنة هل رضيتم؟! بل ويسأل أدناهم وآخرهم دخولا فيقول: عبدى أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ أن يقول الملك الجليل «لعلك ترضى» و«أترضى» و«هل رضيتم» و«لسوف يرضى» و«رضوا عنه» و«راضية مرضية» إلى آخر تلك الكلمات التى تدور كلها حول ذات المعنى، أن يرضى العبد! فإن هذا ما لا يجد له العقل تفسيرا إلا إذا تذكر أنه الرحمن الرحيم الأرحم بعبده من أم بولدها وعندئذ يدرك العبد أن مدار الأمر، وأوله ومنتهاه يكمن فى تلك الكلمة ذات الأحرف القليلة الرضا، أن يلج العبد باب الرضا ليدخل إلى تلك الجنة الدنيوية التى يتذوق فيها طعم الإيمان حين يجد حلاوة الرضا بربه وبدينه وبنبيه ابتداء، ثم بعد حين ترجع نفسه المطمئنة لربها راضية مرضية، ثم ينعم انتهاء بسماع السؤال الربانى:

- عبدى أترضى؟
- يا أهل الجنة هل رضيتم؟


ثم يحل عليه الرضوان جزاء من جنس عمله كما ورد كل حرف مما سبق فى الآيات والأحاديث الصحيحة، عندئذ لا يملك العبد إلا أن يردد بكل ذرة منه كلمة أهل الجنة «قد رَضِينَا عَنْكَ فَارْضَ عَنَّا»، «لكن هذه الخيرات فى الدنيا والآخرة لا تنال بمجرد الكلام والشعارات ولا يجد حلاوتها من يكتفون عند سماعه أو قراءته بمصمصة الشفاه وهز الرؤوس اقتناعا أو أداء لواجب، كل ذلك لا ينال إلا بفهمه ثم تطبيقه على واقع المرء أن ترضى بالله ربا.. أن ترضى بأفعاله وتدبيره.. أن تقبل بحكمه وملكه وتصريفه.. أن تعترف عمليا أنك العبد وهو الرب ومن ثم تقبل بأمره الكونى القدرى وأن تستسلم وتمتثل لأمره الشرعى وأن ترضى بالإسلام دينا.

حين يظهر كل ذلك عمليا على واقعك وينضح على سلوكك وأقوالك وأفعالك فقد ولجت تلك الجنة حقا واستشعرت تلك القيمة المنسية فى زماننا هذا، القيمة التى استبدلها الكثيرون برضا من نوع آخر أبعدهم كثيرا عن جنة الرضا الحقيقى إنه الرضا بالدنيا «إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ «سورة يونس»، ليس مجرد حب للدنيا ولا رغبة عارمة فى التقلب بين متاعها إنه الرضا بها، الركون لشهواتها وملذاتها والاطمئنان بأسبابها، تلك الشهوات والأسباب هى منتهى الأمل لدى هؤلاء وهى غاية الأمانى والطموحات، لكن شهوات الدنيا دائمًا معكرة مدخولة وعند مرحلة ما تكون أسبابها عاجزة معلولة لذلك تجد حقيقة رضاهم بها منقوصًا واطمئنانهم بأسبابها مؤقتًا مدخولا فلا يتم الرضا ولا يتذوق هؤلاء تلك الحلاوة التى حدثنا عنها النبى حلاوة الرضا وجنته.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة