المفسدون والفاشلون منا وبيننا
بمناسبة الحديث عن المشروع النووى، رأينا من بين المؤيدين والمعارضين من يتحدث بثقة العالم ببواطن الأمور، كأنه خبير نووى، وبعضهم لم يسمع عن النووى منذ المرحلة الثانوية، وقليلون تحدثوا تأييدا أو خوفا بطرح أسئلة، واللافت أنه وسط هذا رأينا من تناول القضية النووية بسخرية، كلمات وبوستات وبرامج أسقطت ما نراه من إهمال وفساد فى بعض المناطق على الأمر، خلاصته «إزاى نفكر فى الطاقة النووية واحنا شايفين الإهمال والتأخر، وممكن بعض الفنيين أو الخبراء يتعاملوا بطريقة الموظفين، وممكن تلاقى واحد بيعمل شاى فى غرفة التخصيب أو ينزل السكينة، وموظف التشغيل ما جاش، إلى آخر السخرية. وبعض السخرية هى خوف وانتقاد ورغبة فى الأفضل، وبعضها قلق طبيعى، وبعضها نكد عام، إحباط لدى من يفضلون النكد عن التفكير.
ما يهمنها ليس الموقف من المشروع النووى، إنما السؤال الذى يحتاج لإجابة: هل كل واحد من هؤلاء النقاد يقوم بعمله كما ينبغى بإخلاص ودقة ومهارة، وهل كل من يتحدثون عن نقص الخبرات وشيوع الواسطة والمحسوبية حصلوا على وظائفهم بمجهودهم؟ وهل كل الذين يسخرون من إهمال وفساد بعض القائمين على الأمور هم بالفعل مخلصين وأنقياء؟
بالفعل كثير منا يتحدثون كأن المهملين والفاسدين والفاشلين ناس من كواكب أخرى، أو «ناس تانية»، ولو تأملوا قليلا ربما وجدوا من بين أنفسهم أو أقاربهم أو جيرانهم ومعارفهم ورفقائهم على المقاهى مهملين وفاشلين وفاسدين وقمعيين.
نحن نتكلم غالبا عن أن «التانيين» هم من يرتكبون الأخطاء، والأفعال السلبية، ولا يفكر أى منا ولو للحظة أن يكون أحد مرتكبى هذه الأفعال، ويفضل «نحن والآخرون»، وليس نحن.
وفى طريق كل منا وحولنا ناس لا تؤدى عملها، وتختلق أعذارا للهروب من المسؤولية، وتحصل على أموال ليست من حقها، يتفننون ويبدعون فى التزويغ والتهجيص والفساد، أو العمل بلا إتقان أو إخلاص، ومع هذا نراهم الأعلى صوتا والأكثر نشاطا فى لعب دور الناقد للآخرين، وفساد وإهمال «التانيين»، وهم من ينطبق عليهم قول السيد المسيح «كيف ترى القشة فى عين أخيك ولا ترى الخشبة فى عينك».
بالطبع، فإن انتقاد الأخطاء وارد وواجب، فى إطار التصحيح، لكن الأهم أن يصدر ممن يمكنهم ممارسة عملهم بما يرضى الله والقانون والضمير، وليس أسهل من الكلام عن العدالة من ظالمين، وعن النظافة من ملوثين وعن الفساد من متورطين، وأحيانا يكون الفاسدون الأعلى صوتا فى الحديث عن الفساد والإهمال.
ولو نظر هؤلاء لأنفسهم فى المرآة لوجدوا أنهم يرتكبون نفس الأفعال التى ينتقدونها، شركاء فى صفقات فساد صغيرة وكبيرة. فقط لأن أحدا لا يراهم، والبداية معرفة أن الذين يرتكبون كل الأخطاء من إهمال وفساد وفشل هم حولنا يعيشون بيننا، بينما نتحدث عن «الناس التانيين».