خدوا الحكمة من قلب التجربة.. والتجربة القريبة تقول: إن جماعة الإخوان ظلت لسنوات طويلة مغلفة بظن المصريين أنها التنظيم القوى المتخم بالكوادر والأفكار والحلول، ثم فجأة وفى أقل من 3 أعوم خسرت هيبتها قطعة قطعة فى زمن ما بعد ثورة 25 يناير بسبب تصرفات قياداتها، وتصريحات رموزها غير المنضبطة، ومعارك إعلامييها التى اتسمت بالعبث و«الهرتلة»، فكانوا كما الدبة التى أضاعت هيبة صاحبها فسهلت للجميع قتله.
كل الأبحاث كانت تقول إن تنظيم الإخوان قوى ومحكوم بقواعد ونظم وتراتبية، وفى زمن ما بعد ثورة 25 يناير سقطت تلك الأسطورة، حينما أغوت الشهرة والأضواء قيادات الجماعة، لأن يتكلم الكل باسمها ثم سقطت الأسطورة تماما، حينما بدأ صبحى صالح وخميس وزوبع والعريان يهرتلون باسم محمد مرسى، حينما كان رئيسا وقتها، وأضحت الصورة جلية أمام الجميع أنه لا نظام ولا تنظيم داخل الجماعة.
كل التصورات التى أوهمنا بها الإخوان كانت تقول إن الجماعة تعانى تخمة بسبب كوادرها، ولكن زمن ما بعد 25 يناير كشف لنا أن جراب الجماعة خاوى، وتجلى ذلك فى محمد مرسى ذاته، وهو يبدو تائها وخائبا ومهرتلا فى كل خطاباته، وتجلى بشكل أكبر فى كل برامج فضائية الإخوان، ثم ظهر بوضوح يثير حفيظة الشارع وغضبه تجاه الإخوان فى تصريحات صبحى صالح، التى تدل على فقر حاد فى الوعى والتعليم، وعلى شاكلة صبحى صالح كان زوبع والعريان وعبد الرحمن البر وعزة الجرف وباكينام الشرقاوى والكتاتنى ونواب الإخوان فى البرلمان يستكملون بتصريحاتهم الغريبة ومعاركهم المفتعلة منظومة تحطيم هيبة الجماعة، وتسفيه صورتها كجماعة قوية واستفزاز باقى التيارات السياسية واستنفار غضب الشعب المصرى.. وكل ذلك كان يوضع فوق كتف مرسى وتجربته فى الحكم، التى تم تقييمها كفاشلة قبل أن يفشل مرسى نفسه طبقا لتصرفات المحيطين به.
السؤال الآن.. هل يمكن اعتبار ما يحدث فى الإعلام من قبل بعض المؤيدين تطبيلا للدولة، وما يحدث من نواب يتهمون الدولة الآن بانتهاك السلطة التشريعية، وتتناثر تصريحاتهم العبثية هنا وهناك بسبب كرسى رئاسة البرلمان، أمرا منفصلا أو معطيات مغايرة عن تلك التى بدأت بها منظومة تأكل هيبة الإخوان بسبب عبثية الرجال الذين تم تقديهم للشارع كمعبرين عن الجماعة؟!
الإجابة قطعا بالنفى، كتب العلوم والرياضة تخبرنا بأن تشابه المعطيات يؤدى دوما إلى نفس النتائج، ونتيجة التجربة السابقة قاسية وملهمة للتعلم، ولكن أحدا لم يضعها فى الحسبان، بدليل ما تعانى منه الساحة الآن من تخمة فى تصريحات وتصرفات بعض ممن يظنهم الشارع محسوبين على الدولة ولا يرون منهم سوى كل ما هو مستفز وكل ما هو ابتزاز، وكل ما هو عبثى، وكل ما هو كوميدى، وكل ما هو افتعال لمشاكل تافهة، وكل ما هو خضوع لإغواء الشهرة، وكل ما هو دال على فقدان قدرة إدراك الواقع، وقلة الوعى.
حسنا تأمل تجربة الإخوان قد يوحى إليك بخطر ما يحدث الآن، ولكنك لن تدرك أن الأمر شديد الخطورة، إلا حينما تعرف أن الفرق بين الأراجوز حينما كان عروسة مهمتها إضحاك الأطفال وتعليمهم، وبين الأراجوز حينما يكون بنى آدم يضحك الجمع ويسليهم، ولكنه يضرهم ولا ينفعهم بعلم لأنه يشغلهم دوما بما هو تافهم عما هو أهم.
شهرة الأراجوز واجتماع الناس حوله يملأ روحه بتخيل نفسه كزعيم وقائد تتلبسه روح الحماس، ويبدأ فى «التلويش» بالتصريحات ذات اليمين وذات الشمال حتى يهيل تراب المعبد فوق رأسه، وللأسف فوق رأس الجميع، فى كل فيلم توجد شخصية هامشية جدا تظن نفسها «عتريس»، وكل عتريس مزيف يفشل فى تقدير معادلة تكافؤ طموحه مع قدراته مع وضع الظرف الراهن للوطن، مثل كل طالب فى معمل تفشل معادلته الكيميائية، ولكنها لا تنفجر فى وجهه فقط.. بل تحرق معه الجميع.