هناك صدمة نفسية، اسمها صدمة الدماء، ينتج عنها حالة هيستيرية، قد تطول مدتها، تؤدى إلى تصرفات دموية جنونية، وردود أفعال غرائبية، الحالة المذكورة حالة نفسية علمية موثقة، يمر بها عناصر الجيوش التى تواجه أو تنفذ مذابح كبيرة، أو الأفراد المدنيون الذين يواجهون كميات كبيرة من الدماء المراقة والتى تفوق طاقتهم.
نحن هنا فى مصر، لدينا شعب له طبيعة سلمية خاصة، ويجدر القول عنه إن «قلبه رهيف» وليس من طبعه، ولا فى تاريخه، تحمل قدر كبير من الدماء لمدد طويلة، بالطبع فإن الإنسان بشكل عام، ليس من طبعه تحمل الدماء، وإلا ما كان ظهر فى علم النفس ما يسمى بصدمة الدم، أو صدمة القتل، لكن المصريين «سُفيفين» زيادة شوية.
الجدير بالذكر أن هناك أطرافا فى هذا الوطن لا يلاحظون أن المصريين على شفا الجنون - أكثر من جنانهم الأصلى - بسبب الدماء الكثيرة المراقة، وما يصاحبها من تبريرات وضيعة، واتهامات حقيرة، لتبرئة الطرف السياسى الذى تنحاز له.
فى يوم 24 يناير، قامت قوات الأمن بقتل الناشطة الحزبية السيدة شيماء الصباغ، يشهد على ذلك اثنان من التسجيلات المصورة، وكل زملائها الذين كانوا مصاحبين لها فى الوقفة، إلى جانب تاريخ الداخلية فى قتل المتظاهرين أحيانا. لكننا كما نعلم، فإن الغرض مرض، قبل أن تنشر صورة شيماء، قام بعض من أصحاب توجه سياسى، أو بالأحرى انحياز سياسى – لأنهم ليس لديهم أى توجه – بادعاءات أقل ما توصف بأنها وضيعة، مثل «زملائها هم من قتلوها»، «الإخوان اندسوا وقتلوها»، وجمل حقيرة أخرى من قبيل «فتش عن المستفيد»، يعنى، السيد الإعلامى الذى جاءته توجيهات أمليت عليه عبر الهاتف، يقول هذا الهراء، لأنه معذور، أكل العيش مر، وهو مضطر لترديد كل ما يطلب منه أن يردده، لأنه يتقاضى الملايين سنويا، لكنك عزيزى المواطن لست مضطرا لتكرار هذا الغثاء كالببغاء، خاصة أنك لست مقتنعا بما تقول، أنت تعلم جيدا أن الإخوان لم يندسوا فى تظاهرة لا تتجاوز العشرين شخصا، ولو اندسوا لتم تحديد موقعهم وسط هذا العدد الضئيل، وتعلم جيدا أن زملاء الضحية حاولوا إنقاذها، فقامت قوات الأمن بالقبض عليهم، بل ورفضت أن تسمح لهم بإحضار سيارة تقلها إلى المستشفى، ثم إنك لست «تلميذ» أو «عبيط» لتتعامى عن حقيقة أن الداخلية تقتل، لكن حضرتك بتستعبط، لأنك لا تريد أن تتورط فى تبعات الاعتراف بالحقيقة، وبالمناسبة، أنا أتعاطف جدا مع استعباطك عزيزى المواطن، وأعلم أن سببه هو أنك تشعر بالقلق والخوف، وأنك فى هذا الصراع الدائر رحاه بين الإرهاب والدولة، اخترت صف الدولة بالطبع، مثلنا جميعا. لكن هناك فارق بين تشجيع فريق كرة، وبين الانحياز لصف سياسى، أنت تشجع فريق الكرة دون أن تعقب على الفريق، أو تنتقده، «يوم ما أبطل أشجع أكون ميت أكيد»، أو، «سنظل أوفياء»، يكسب يخسر، يلعب حلو يلعب وحش، هذا فريقك وأنت تشجعه، أما فى السياسة فالأمر لا يحتمل مثل هذا التعصب، لأنه يكبد أرواحا، بقول آخر، أنت تحتاج لأن تنحاز انحيازا واعيا للصف الذى اخترته، فأنت حين تقول إن الداخلية لم تقتل شيماء، فأنت تماما تفعل كما يفعل مناصرو الإرهاب الذين شمتوا فى قتل جنودنا فى العريش، ووصلت بهم الدناءة أن يتهموا القوات المسلحة بتدبير الحادث لتبرئة الإرهابيين، لكنك تساند دولة بأجهزتها، لا عصابات، وتريد من الدولة أن تحسن من أدائها لتحقق الانتصار، ولا أعتقد أن تبريرك وتطبيلك يساعد الدولة على تحسين الأداء... تذكر عزيزى المواطن إعلام ما قبل هزيمة 67 كان يشبه إلى حد كبير الإعلام الحالى، وكان تغفيل المواطنين يشبه تغفيل سيادتك.
ربنا يستر.