ينص دستور 2014 فى المادة 184 «السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون ويبين القانون صلاحياتها والتدخل فى شؤون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم» كما تنص المادة 186 على استقلال القضاة وأنهم غير قابلين للعزل ولا سلطان عليهم فى عملهم لغير القانون، كما تؤكد المادة 5 على الفصل بين السلطات والتوازن بينها، كما ينص الدستور والقانون على الحق فى الطعن على الأحكام استئنافا أو نقضاً تأكيداً للعدالة وتوكيداً بأن الحكم هو عنوان الحقيقة وذلك لأن العدالة المبنية على القانون وحده دون تمييز بين مواطن وآخر أو دون تفريق بين سلطة ومواطن، وهى عماد التقدم وعنوان التحضر وضمان لحق الفقير قبل الغنى والضعيف قبل القوى والمواطن قبل السلطة ولذلك منعت الأعراف القضائية والقانون التعليق على الأحكام بالذم أو بالمدح حتى لا يتأثر القضاة بالرأى العام أياً كانت تواجهاته.
كما أن الدول الغربية التى تسمى بالديمقراطية نجدها كثيراً ما تتباها باستقلال قضائها والرضوخ لأحكامه، ولكن فى ذات الوقت نجدها دائمة التعليق على الأحكام فى مصر عندما يصدر حكماً لا يتوافق مع توجهاتها أو يتناقض مع انحيازتها، كما نجد تقارير بعض المنظمات الحقوقية العالمية المنحازة وغير الموضوعية تعلق على الأحكام وتتهمها بأنها أحكام مسيسة، فى الوقت الذى تعلن فيه السلطة المصرية فى أعلى مستوياتها بأنها لم ولن تتدخل فى أحكام القضاء أو المساس باستقلاله غير ما يخوله القانون لرئيس الجمهورية، كما اعتادت هذه الدول وتلك المنظمات بالدفاع عن بعض الشخصيات والتنظيمات التى ترتبط معها بعلاقات وبأدوار معلنة أو غير معلنة مثل أيمن نور وأحمد ماهر وأحمد دومة ومن يسمون بالناشطين السياسيين كما نرى تبنيهم لجماعة الإخوان والدفاع عنهم والمطالبة بالإفراج عنهم ضاربين بالقانون واستقلال القضاء عرض الحائط، وكأن استقلال القضاء لديهم حلال ولدينا حرام، فهل يملك الرئيس الأمريكى الإفراج عن عمر عبد الرحمن مثلا بالرغم من المطالبات الواسعة من منظمات ومن الإخوان عندما كانوا فى الحكم ونحن نعلم من هم الإخوان بالنسبة لأمريكا، بالطبع لا يملك، فلماذا الكيل بمكيالين؟
وهل هذه المنظمات تمارس نفس الدور مع كل القضايا وكل الأشخاص وكل الدول؟ فلم نسمع صوتاً لهم لما يحدث فى إسرائيل من اعتقالات واغتيالات وأحكام جائرة بحق الفلسطينيين، ولكن فى ذات الوقت ولاكتمال الصورة بسلبياتها وإيجابياتها فللأسف نجد الآن وسائل الإعلام وكل من هب ودب وكل من يفهم ولا علاقة له بالفهم يعلق على الأحكام وعلى القضاء بل وجدنا ما يسمى بالاستديوهات المفتوحة طوال الوقت للتعليق، نجد قيادات وزعامات سياسية تدعى التمسك بالقانون تعلق على الأحكام نفاقاً ثورياً وتزلفاً وطنياً وجدنا من يقبل الحكم ويهلل له عندما يكون فى صالحه وصالح جماعته، ومن يرفض الحكم ويزدريه عندما لا يتوافق مع مصالحه ويتناقض مع توجهاته، والأهم هو خروج القضاة للإعلام محللين ومعلقين على الأحكام بل وجدنا القاضى الذى حكم على دومه بالمؤبد يعلق على الحكم بل يصور أن الله هو الذى حكم، ولا نعلم هل رجعنا للحكم بالحق الإلهى؟ وإذا كان هو حكم الله فهل يجوز الحديث والنقض عليه؟ وهل هو استعادة للعصور الوسطى؟ وكيف يقبل المستشار الجليل التقول بمثل هذه الأقوال؟ هنا لابد أن نحافظ بأرواحنا على استقلال القضاء والقضاة، فليمتنع الجميع عن التعليق على الأحكام بغير الطريق القانونى فليحافظ القضاة على جلال سلطتهم بالامتناع عن الظهور الإعلامى حتى لا يتقول المتقولون وحتى تظل الأحكام هى عنوان الحقيقة وحتى يظل القضاء العادل هو أمل المواطن وطريق التحضر وركيزة بناء مصر الجديدة دولة القانون مصر لكل المصريين.