لا أعرف لماذا يتعامل كثير من النخبة مع الدولة باعتبارها أمين مخزن خواجة، يمكن تخديره وسرقته، ويمكن البلطجة عليه، ويمكن استخدام أدواته وأرضه ببلاش، ويمكن محاسبته وإلقاء كل اللوم والتهم عليه وليس من حقه أن يتكلم أو يعترض على هذا المفهوم الباطل الذى يتعارض مع العقل والمنطق والمصلحة العامة؟ أقول ذلك بمناسبة حادث ستاد الدفاع الجوى الذى راح ضحيته أكثر من عشرين من رابطة وايتس نايتس الزملكاوية، والذى غاب عنه وعن المتابعين لتفاصيله الوعى بدورنا كمواطنين فى هذه الدولة ومسؤوليتنا عن استقرارها باحترام القانون على الأقل.
فور الحادث كانت النغمة السائدة هى العويل ولطم الخدود والتمثيل، من لاعبى كرة وإعلاميين ومشاهير دخلوا على الخط، وبلطجية يريدون كسر القانون وفرض ما يريدونه على المجتمع والدولة وسياسيين فاشلين لا شعبية لهم، وكل ما يطمعون فيه هو البقاء فى الصورة باعتبارهم أصحاب أحزاب، فيقولون كلاما معادا فى كل كارثة عن مسؤولية الدولة والحكومة والداخلية، ولا يتكلمون أبدا عن مسؤولياتهم فى هذا الحمل الثقيل.
ناس تختفى ولا تظهر إلا فى المصائب والكوارث لتنعق مثل الغربان، وأعداء صريحون، يستغلون المصائب ليصبوا قدرا من سوادهم وظلامهم فى صورة تحريضات صريحة للناس لتخوض على هوى الإخوان تحرق وتدمر، وناس آخرون إمعات، موجة تأخذهم وموجة «تجيبهم»، تجدهم يحاولون لعب دور الحكماء فينكشفون من ضعف بصائرهم وكلامهم الأحمق عن عجز الحكومة عن حماية الناس... إلخ. لماذا لم يتكلم أحد عن حاجتنا الماسة جميعا إلى القانون والنظام والالتزام بهما فى كل مناحى الحياة؟ لماذا لم يتكلم أحد عن البلطجة المميتة التى لا ينتج عنها إلا الكوارث؟ ولماذا لم يتكلم أحد عن تطبيق القانون فى حالة الحرب، والذى يقتضى من الجميع أقصى درجات الالتزام والحذر وعدم تعريض النفس للمخاطر والشبهات؟
لماذا تم تصوير الأمر على أن الذين قضوا فى الحادث مجرد مواطنين صالحين كل ذنبهم أنهم لم يكونوا يحملون تذاكر؟ ولماذا تم التعتيم على حالة البلطجة والشغب وإحراق سيارة الشرطة وحصار أتوبيس اللاعبين؟ ولماذا لم يتم التنويه بوضوح إلى أن الزحام والتدافع والدوس بالأقدام بعد استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع هو سبب الحادث؟
الحادث أليم نعم، وسقوط ضحايا من المصريين أكثر إيلاما على النفس، لكن الخوف كل الخوف من حالة فقر الوعى لدى قطاعات النخبة، والتى تبحث عن مكاسب شخصية من خلال الكيد فى السلطة الحاكمة، حتى لو كان هذا الكيد الأعمى ينخر مثل السوس فى الأغلبية الوطنية التى تنظر بتفاؤل للغد وترى فى مشروع السيسى أملا قابلا للتحقيق.