فى كل جريمة هناك من ينفذ، وهناك من يخطط، وهناك من يقف خلف الستار، وهناك من يحصد النتائج بالسلب وبالإيجاب، وجريمة مباراة الزمالك وإنبى مساء الأحد الماضى فيها المنفذ والمخطط، والرابح والخاسر، لكن الأهم أننا أمام مشهد يبعث على الحسرة والألم على بلد تذهب دماء أبنائه فى معارك مجانية، وتزداد الحسرة حين نجد أنفسنا أمام متهمين حقيقيين لكنهم طلقاء ويجدون من يسعى إلى تبرئتهم بكل الوسائل.
فى جريمة الزمالك هناك من وقف على خشبة المسرح يخطط لها منذ شهور طويلة بالتهييج والتحريض وبث روح الكراهية ضد شباب متمرد، فلنقل ما شئنا فى شباب «الألتراس» لكنهم فى النهاية إفراز مرحلة سياسية واجتماعية، شاهد فيها هذا الشباب بلد تتم سرقته، واختصاره فى قلة تحكم وتأمر وتنهب، وغالبية تدفع الثمن جوعا وفقرا وضياعا وإحباطا ويأسا، شاهد بلدا يتم تقسيمه أبعاديات فى الثروة والسياسة، والوظائف، وكل شىء، شاهد بلدا لا يعطى الفرصة لشبابه المتفوق طالما تثبت بطاقته الشخصية أنه ابن فلاح أو عامل، أو موظف بسيط يكسب قوت يومه بالحلال.
شباب يدرس ويتعلم ثم يجد نفسه فىtv طابور العاطلين، لأنه لا يعرف الوساطة التى تلحقه بجنة العمل، شباب يجد نفسه فى بلد بلا أحزاب تنجح فى استثمار طاقته، لكنه يجد فى نفس الوقت من يسبه ويشتمه ويحتقره، ويتهمه بالخيانة، وكأن الذين يسبون ويشتمون ملائكة يمشون على الأرض.
الذين وقفوا على المسرح يحرضون ضد هؤلاء، ويرمونهم بكل الاتهامات هم أنفسهم شركاء فى الوصول بمصر إلى هذا المنحدر الخطير، حيث يلعبون على الدوام دور الجوقة لنفاق أى حاكم، أذكر أننى ناقشت واحدا من هؤلاء وكان نائبا برلمانيا وإعلاميا مشهورا، وجاءت مناقشتى بعد ساعات من همته ونشاطه فى الجلسة البرلمانية التى ألغت الإشراف القضائى على الانتخابات طبقا لتعديلات دستورية أدخلها الحزب الوطنى إلى مجلس الشعب، قلت له، إن ما فعلتموه جريمة ستدفعون ثمنها فى المستقبل، فرد بكل راحة: «متخفش إحنا اللى هنبقى موجودين فى المستقبل، وبعد أن تحقق هذه التعديلات أغراضها، ممكن وقتها نعدلها تانى»، وظل يشتم ويسب فى زملائه من النواب المعارضين الذين رفضوا هذه التعديلات، هو كان يتحدث بكل ثقة عن أنهم وحدهم فقط الموجودون على الساحة، وهم وحدهم الذين يحق لهم أن يفعلوا ما يحلوا لهم، والباقى مجرد كمالة عدد.
هذا الذى كان نائبا برلمانيا لم يحترم مشاعر المصريين أثناء المذبحة، وسخر برنامجه لتبرئة المسؤولين عن الجريمة، وتحديدا الذين خططوا لها، ودفعوا الألتراس والشرطة إلى مواجهة حتمية، وقبل ذلك هو واحد من الذين ساهموا فى صنع الحالة العامة التى أوصلت مصر إلى هذا المنحدر.
كشفت الجريمة الكثير مما يجب التوقف أمامه، وإلا فسنكون أمام أوضاع ستتكرر كربونيا فى المرحلة المقبلة، فالشرطة ليست وحدها المسؤولة عما حدث، وليست وحدها التى تحتاج إلى تنظيف، وإنما المسؤولية الكبرى تقع على كل الذين خططوا للوصول إلى هذا الصدام، وللأسف وجدوا فضائيات يتحدثون فيها ويكررون عليها أسطوانتهم الرديئة، والمسؤولية تقع أيضا على أوضاع اجتماعية وسياسية تجعل من هؤلاء الشباب يغردون خارج السرب.