شعرة تفصل بين التضامن والمزايدة، وبين تحديد المسؤولية، والهروب منها، هذه الشعرة تتقطع مع كل مصيبة، وتتوه المسؤولية وتصبح على المشاع، فيهرب المسؤول الحقيقى، وسط الصراخ وإلقاء التهم على مؤامرة من هنا أو هناك. ويلقى المتهمون قنابل المزايدات ليختفوا خلفها ويهربوا من جرائمهم.
مع كل كارثة تقع نجد أننا أمام لعبة مطاطة فى أيدى محترفى المزايدات والاتجار بالدم، المخطئون يعلقون الخطأ فى رقبة الحجج والآخرين والمؤامرات، والمزايدين، جاهزين بمندبة الاتهامات الجاهزة، مع رغبة فى تحقيق شهرة على حساب دم الضحايا الأبرياء. حدث هذا من قبل مع ضحايا الأهلى فى بورسعيد، وما زال يحدث مع ضحايا الزمالك فى ملعب الدفاع الجوى. تم نصب سيرك الاتهامات والمزايدات، ولا أحد يسعى للاعتراف بالخطأ أو يعطى نفسه فرصة للفهم.
المتهم أو الفاعل الأول هو من تاجر بالتذاكر وبالمباراة، ولما سقطت الضحايا سارع باختراع مؤامرات لا دليل عليها، وحتى لو كانت مؤامرة فإن أخطر مؤامرة صنعها مسؤولو النادى ومن أعلنوا عن دعوة الجمهور للحضور. لم يعترف هؤلاء بالخطأ، وانطلق فى مزايدات يلقى بها التهم على آخرين، للتغطية والمزايدة على أو غيره ويختبئ خلف المصلحة والدولة ليهرب من مسؤولية واضحة.
ونفس الأمر لدى بعض من يريدون ركوب الموضوع وتحقيق متابعة ومشاهدة «يتشحتفون» أمام الكاميرات لكسب التعاطف و«يطجنون ويعكعكون»، لدرجة أن تجار الشعوذة والخزعبلات انضموا لقوائم المزايدة بدم الضحايا، وأصبح تمثيل الحزن جزءا من وجبة يومية، من دون أن يذكروا أو يسعوا لمعرفة الحقيقة، أو تقديم فعل مفيد بدلا من اللطم وتوجيه الاتهامات بلا تحديد.
ولا ننسى «كورس» الندابات الافتراضيين على تويتر وفيس بوك ممن ينطلقون فور وقوع الحدث فى وصلات اللطم وشق الجيوب من كنباتهم، أو إعادة تداول فيديوهات وصور من دون التأكد منها، وإعادة الكلام والضجيج الفارغ من دون رغبة حقيقية فى التضامن.
النتيجة أنه مع كل مصيبة، لا أحد ينشغل بالحزن أو المساعدة، بقدر ما ينشغل الجميع فى صراخ جماعى، يتسبب فى التشويش ويمنع محاولة تفهم ما يجرى. لا يعطوا فرصة للتضامن أو يقدموا كلاما متسقا، فقط نفس المحفوظات «الدموع والآهات» مصحوبة بمحفوظات كل واحد جاهز بها. ووسط الاتجار والمزايدة يهرب الفاعل الحقيقى، ولا أحد حتى يتوقف ليسأل عن الضحايا، والنتيجة تتكرر الكوارث ويسقط الضحايا ويظل الجميع مكتوف الأيدى.
وما لم تتغير طريقة الدولة فى مواجهة هذه المصائب والإمساك بالمتسبب ومحاسبة المخطئين، سوف يبقى الأمر فى أيدى تجار الدم والمزايدات. وقنابلهم المسيلة للمزايدات.