لست هنا بصدد تعليق المشانق لأى جهة قد تكون مسؤولة عن المجزرة الأخيرة المسماة إعلاميا الدفاع الجوى - وأفضل استخدام مباراة الزمالك وإنبى - حتى لا نلصق بأحد أفرع قواتنا المسلحة الشامخة هذه الكارثة لمجرد أن المباراة كانت على أحد نواديها - ولست هنا فى موقع النيابة التى تحقق حاليا وتبحث عن الجناة والمتسببين فى المجزرة ولكنى أبحث عن شىء آخر قد لا ينتبه له البعض وسط ضبابية المشهد واختلاط الحابل بالنابل وصراخ ردود الأفعال وطوفان المشاعر الممتزج فيها الغضب النبيل بسخام المزايدات والشووهات الإعلامية الحنجورية والمتخمة فى معظمها بالأكاذيب والنحيب، أنا هنا أبحث عن زاوية أراها السبب والخلفية وقصب السبق فى المشهد برمته وهى زاوية الإعلام الرياضى خصوصا المرئى منه، هذا الإعلام الذى نشأ منذ أن عرفت مصر الفضائيات الرياضية المتخصصة فى الرياضة فقط. التى صارت تمولها بيضة الإعلانات الذهبية وخلقت عددا من مقدمى البرامج يحصلون على الملايين لمجرد أنهم الأعلى صوتا والأكثر استقطابا وصناعة للفتنة، هؤلاء رأيناهم يتفاخرون بعلاقتهم بجمال وعلاء مبارك على الهواء وأشعلوا فتيل الفتنة بين مصر والجزائر وتسببوا بجهلهم وغبائهم فى مقتل المصريين فى أماكن مختلفة من العالم بعد مباراة مصر والجزائر الشهيرة فى كأس أفريقيا بسبب الشحن والحقن العنصرى والبغيض، وهؤلاء أقاموا مزادات علنية على الهواء لاستقطاب روابط الألتراس والتى أدت لتكريس التعصب فى الرياضة المصرية فى السنوات الأخيرة وهم الذين ضخموا هذه الظاهرة وقاموا برعايتها وتربيتها ومنحوها الحياة والدماء على حساب الانتماء للوطن والقيم والأخلاق، معظم مذيعى ونقاد الإعلام الرياضى فى مصر هم وراء ظاهرة التعصب الكروى ووراء ظاهرة الألتراس ووراء مذبحة بورسعيد ووراء المجزرة الأخيرة وقبل ذلك وراء دعم نظام مبارك لروابط البلطجبة من الألتراس، وهؤلاء هم السبب فى إعادة الجمهور للمباريات فى الدورى رغم أن هذا لم يكن وقته فى ظل حرب الإرهاب التى تعيشها مصر، وقد سمعت بأذنى أحدهم يحرج مساعد وزير الداخلية على الهواء ويقول له هى الداخلية ليه مش عاوزة ترجع الجمهور.. معقول الشرطة مش ها تعرف تأمن المباراة فما كان من سيادة اللواء إلا أن قال ازاى نقدر طبعا.. وادى النتيجة، طبعا الإعلام شحن واستفز الداخلية ووزير الشباب والرياضة عام على عوم الإعلام الرياضى ولم يدرس الموقف وكتب تقريرا مسلوقا للحكومة واتحاد الكرة همه على الإعلانات والمكافآت والمنظرة والتربيطات والمصالح والشلل وكله لا يهمه شىء إلا مصلحته، كل من زاويته، والجميع متهم ومدان لكن يظل الإعلام الرياضى المتهم الأول، المعظم كان يخاف انتقاد هذه الظاهرة السرطانية الإرهابية، لا أنكر أن الأغلبية من الألتراس أبرياء ومشاعرهم تجاه نواديهم صادقة وبريئة لكنها جاهلة وبلاوعى وتعوزها التربية الوطنية لأن الانتماء للوطن أهم وأعلى وأسمى وأعظم، ومن يسمع أغانى هذه الروابط وما فيها من عنصرية بغيضة وشوفونية ناهيك عن نشر الكراهية والعنف ضد الشرطة ومؤسسات الدولة فضلا عن كم الألفاظ الخارجة والمبتذلة يعلم أية جريمة ارتكبها الجميع بترك هذه الظاهرة حتى تضخمت وكبرت وصارت كل يوم مصدر محن وإحن وألم ونزيف ودم وضحايا وهم للمجتمع كله.
الظاهرة تحتاج حلحلة وحل وتفكيك ثم إعادة تأهيل والإعلام الرياضى عليه أن يسكت فترة وسكوته هنا من ذهب وعلى الأسرة المصرية أن تعيد لأحضانها شباب الألتراس وعلى وزارة الشباب التى تفرغ وزيرها للسياسة وترك الشباب أن يتفرغ لهذا الملف الذى أهمله تماما حتى صار من خطاياه وعلى الجميع أن يعلن أنه إجرم فى حق هؤلاء الشباب سواء بالتواطؤ والنفاق أو الصمت، الآن أذكر مقولة لتوفيق الحكيم تلخص المأساة يقول نحن فى بلد الفارق بين الناقد الرياضى والناقد الأدبى فيها أن الأول يصف حركات القدم على الأرض والثانى يصف أدب الرأس والفكر وللأسف الأول أشهر وأغنى من الثانى وهذا علامة تخلف فى بلدنا، يبدو أن هذا الوضع لم يتغير منذ عشرات السنين وأنه السبب فى الكارثة المسماة ألتراس.