انطلقت أضحك.. سألته قبل أن يجلس وهو يضع صحفه القديمة على المقعد: لماذا خرجت اليوم؟
قال لى مبتسما: وأنت لماذا خرجت؟
أنا قادم من معرض الكتاب، قلت أستريح قليلا قبل أن أواصل الرحلة إلى البيت، لقد أكلت ترابا كثيرا جدا من العاصفة.
أنا خرجت لأتذكر يوم 11 فبراير.
ضحكت. قلت: ياه. لسه فاكر؟
أنا مندهش كيف كان الجو جميلا ذلك اليوم، هل حدث تغير شديد فى المناخ ولا نعرف؟
ربما. أنت تعرف أن علاقتى بالفلك صفر.
أنا من زمان عندى يقين أن الجو يناسب مشاعر الناس الطيبة أو رغباتهم أو حتى خطاياهم.
لا أفهم بالضبط.
يعنى حين تكون الحياة طيبة يكون الجو طيبا.
وهل لا ترى شيئا طيبا حولك؟
سكت قليلا وقال: ستعتبرنى مجنونا كالعادة، لكن هذا الغبار كله تعليق من الطبيعة على عودة رجال مبارك إلى المشهد كل يوم.
انطلقت أضحك فضحك هو بدوره وقال: أو فى أقل تقدير تعليق على الأحداث والأفكار العبثية التى نراها حولنا.
نظرت إليه مندهشا فقال: ربنا يستر ومايحصلش زلزال.
ضحكت من جديد وقلت: يارجل تفاءل بالخير.
وسكتنا من جديد حتى قال: تابعت البرامج التليفزيونية شوية، كل مصيبة يتهموا بيها الإخوان.
عادى.
وكل ماحد يقول رأى يتهموه أنه ضد الجيش وضد الشرطة وضد الدولة.
عادى.
الكارثة أنك تروح للإذاعات الخارجية تلاقيها كمان ضد النظام بدون أى تحليل ولا تفكير.
عادى. قلت لك من زمان اتفرج على روتانا كلاسيك أو حتى ميلودى كلاسيك. وبعدين أنت مش عايش مع الجرايد القديمة؟ خليك فيها.
سكت قليلا وقال: مليت القديم والجديد.
فكرت آخذه إلى شىء آخر فسألته: ما رحتش المعرض؟
رحت. لاقيت طابور كبير أوى ماقدرتش أقف.
فعلا. الطوابير ع الثقافة حلوة. حاجة تشجع أهه.
نظر إلىّ مستنكرا وقال: يا أستاذ دى طوابير علشان باب واحد بس أو اتنين هما المفتوحين. لو الأبواب كلها مفتوحة كانت تبقى قليلة جدا.
الأمن.
أمن إيه، كده لو فيه قنبلة حتموت ناس كتير، لو انفتحت الأبواب وفيه قنبلة حتموت ناس قليلة، ولا أنا غلطان؟
شوف. هو الأمن عندنا يعنى تقفل الباب من أصله.
ضحك هو هذه المرة. قلت له: احمد ربنا إنك ما رحتش امبارح، كان بوتين معدى من صلاح سالم وفضوا له الشارع، كان فيه شوية صغيرين على الرصيف دخلوهم مستشفى المجانين على مايعدى.
ضحك من جديد وقال: وخرجوا؟
طبعا. بعد ما عدى.
والله أنا لو منهم كنت رفضت الخروج، المجانين فى نعيم الأيام دى.
سكت قليلا ثم قلت: أنت فيه حاجة تانية مزعلاك؟
بصراحة زعلان على العيال اللى ماتت عند استاد الدفاع الجوى.
سكت وبدا هو شارد لحظات وقال: صور الولد الصغير اللى ميت وماسك كيس المولتو فى إيده تعبتنى أوى.
ظللت ساكتا فقال: أنا مش عارف إيه اللى خلانى فى السن دا أتعلم أدخل على الإنترنت.
سكت.
وبرضه كالعادة يقولوا الإخوان هم السبب.
سكت.
طبعا حتقول علىّ إخوانى بعد العمر دا كله.
سكت.
ما انت ممكن تكون اتأثرت باللى حواليك.
قلت: أنا ساكت علشان الصور أبلغ دليل على الحقيقة، والحقيقة مرة زى ما انت شايف، بس عايزك تتفاءل برضه.
اللى ماحدش فاهمه إن الناس اللى عاملة ضد الإخوان دى حتخلى الناس العادية تتعاطف مع الإخوان تانى زى زمان.
خليهم يجربوا من أول وجديد.
مش عارف ليه الدولة مش فاهمة أن معركتها الحقيقية مع الإرهاب مش مع حد تانى.
عادى.
نظر إلىّ وهو يهز رأسه فى غيظ وقال: أنت غيرت اسمك؟ بقى اسمك عادى النهارده؟
ضحكت وقلت: أصل احنا وصلنا لدرجة أن الدولة مش شايفة الحقيقة، ومادام كده نسكت وهى حرة فى نفسها، كلمنى عن زيارة بوتين.
ابتسم وقال: أقول لك.. المحطات التليفزيونة المعادية بيقولوا عليه شيوعى والمحطات المصرية بتفتكر عبدالناصر وأيام الحرب الباردة وعدم الانحياز، لا هو شيوعى ولا فيه حرب باردة.
الدنيا برد فعلا، معاهم حق.
هنا انطلقنا نضحك، ثم عدنا إلى الصمت حتى قال: الأيام الجاية حنضحك كتير على فكرة.
ازاى؟
بعد ما تتم انتخابات مجلس الشعب.
ليه؟
وكمان بعد ما تتم انتخابات مجلس الشعب كتير حيبيعوا التليفزيونات.
ليه برضه؟
حتلاقى الناس القديمة بتوع أيام مبارك قدامك، يعنى طلعنا من الدقون والأدان فى المجلس للأونطة.
يعنى ماحدش حيضحك زى ما بتقول.
لا، حنضحك شوية ثم تبدأ حركة بيع التليفزيونات.
خلاص مادام حنضحك يبقى كويس.
سكتنا، ولاحظت أنه لم يطلب شيئا يشربه، قررت أن أمارس شيئا من الشر الخفيف، لم أطلب له شيئا ولم أذكّره، كان الهواء يرمح فى الشوارع خارج المقهى التى كنا جميعا نجلس داخلها وأغلقوا علينا بابها، لم يكن أحد يدخل ولايبدو أن أحدا يمر فى الشارع رغم أننا كنا عصرا ولم يدخل الليل بعد، وفجأة سمعته يقول لنفسه «الحمد لله»، نظرت إليه مبتسما وقلت بتفكر فى إيه؟ قال: بحمد ربنا إن اللى فكرت فيه ماحصلش.
إيه اللى فكرت فيه؟
فكرت أن ممكن حسنى مبارك يظهر فى التليفزيون يخطب بمناسبة مرور أربع سنوات على ثورة يناير، لكن الحمد لله ماخطبش.