مرت الذكرى السابعة على رحيل الناقد الكبير رجاء النقاش يوم 8 فبراير الماضى دون أن ينتبه أحد، رغم دوره الرائد فى ترسيخ مفهوم النقد الأدبى وتيسيره على القارئ العام، ورغم أن كثيرًا من تلاميذه وأصدقائه يملأون ساحتنا الثقافية لغطا وصخبًا هذه الأيام، وللأسف الشديد لم يلتفت القائمون على معرض القاهرة الدولى للكتاب إلى ذكراه، فلم يعقدوا أى ندوة لمناقشة دوره فى تطوير الصحافة الثقافية، وهو دور بالغ الأهمية.
يعد رجاء النقاش ابنا بارًا لثورة 1919، فقد ولد عام 1936، وتخرج فى كلية الآداب سنة 1956، واشتغل فى الصحافة الثقافية منذ سنة 1953، وقد قال لى إنه عمل فى بداية حياته مصححًا للغة العربية فى جريدة كان يرأس تحريرها ابن الزعيم أحمد عرابى، وبعد تخرجه التحق بجريدة الأخبار، ونظرًا لدأبه وموهبته، فقد أسند إليه رئاسة تحرير مجلة الكواكب ثم الهلال والإذاعة والتلفزيون، حيث نشر فيها رواية نجيب محفوظ «المرايا» مسلسلة قبل أن تصدر فى كتاب.
فى عام 1981 غادر إلى قطر ليترأس مجلة «الدوحة» التى تعد نقلة نوعية فى مفهوم الصحافة الثقافية، ولما عاد صار من كتاب جريدة الأهرام الدائمين، أما الكتب التى أصدرها فمتنوعة وجميلة وكثيرة، ويكفيه فخرًا أنه أول من انتبه إلى موهبة الشاعر الفلسطينى موفور الصيت محمود درويش، وذلك فى كتابه المهم (محمود درويش شاعر الأرض المحتلة/ 1969)، ولم يكن الرجل معروفا خارج الأرض المحتلة قبل هذا الكتاب الذى اعتبر أكبر ترويج لموهبة فلسطينية بالغة الفرادة. كذلك كان رجاء أول من كتب عن الروائى السودانى المدهش الطيب صالح صاحب (موسم الهجرة إلى الشمال)، وكان أول من كتب فى مصر عن الفنانة الراحلة وردة عندما استمع إلى صوتها فى سوريا عام 1958 كما قال لى.
شاءت المقادير أن أقترب من الرجل فى آخر سنوات عمره، حيث طلب منى الشاعر والإعلامى الإماراتى المتميز سيف المرى رئيس تحرير مجلة دبى الثقافية أن أدعو الأستاذ رجاء للكتابة فى المجلة، وبالفعل دعوته، وشرفت بالتعاون معه طوال أربع سنوات كاملة.
أجل.. لقد تشرفت بالتعامل شبه المنتظم مع الأستاذ رجاء، ودعانى إلى بيته غير مرة وسهرنا معًا مرات عديدة، ودعاه الأستاذ سيف المرى إلى دبى لحضور احتفالية دبى الثقافية عام 2005، وأشهد أنه كان رهيف المشاعر خفيف الظل.. واسع الثقافة.. يحكى عن المبدعين والقادة والكتاب بمحبة وذكاء، فحديثه عذب ومعلوماته متنوعة.. وآراؤه جريئة مدهشة.
كما أشهد أنه كان جادًا جدًا.. يرسل لى مقاله الشهرى بخط يده عن طريق الفاكس، ثم يتصل بى ليطمئن على وصوله كاملا واضحًا، ثم يتصل بى مرة أخرى ليتأكد من وصول الصور بالبريد.. ثم يشدد على ضرورة أن أراجع المقال بعد كتابته بالكومبيوتر.. وهكذا.. رجل يعشق عمله وينكب عليه انكبابًا.
فى العدد الخاص الذى أصدرته مجلة الهلال برئاسة تحرير الأستاذ مجدى الدقاق عنه كتبت مقالا تحت عنوان (رجاء النقاش.. صياد اللؤلؤ). وأظنه وصفا دقيقا.
رحمك الله يا أستاذ رجاء.